الدنيا وذلك أن الله أحرقهم بالنار التي أحرقوا بها المؤمنين ارتفعت إليهم من الأخدود فأحرقتهم ، ولهم عذاب جهنم في الآخرة ثم ذكر ما أعد للمؤمنين فقال تعالى :
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ (١١) إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (١٢) إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (١٣) وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (١٤) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (١٥) فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ (١٦) هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ (١٧) فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ (١٨) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ (١٩) وَاللهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ (٢٠))
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ). قوله عزوجل : (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ) قال ابن عباس إن أخذه بالعذاب إذا أخذ الظلمة لشديد. (إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ) أي يخلقهم أولا في الدنيا ، ثم يعيدهم أحياء بعد الموت ليجازيهم بأعمالهم في القيامة (وَهُوَ الْغَفُورُ) يعني لذنوب جميع المؤمنين. (الْوَدُودُ) أي المحب لهم ، وقيل المحبوب أي يوده أولياؤه ويحبونه ، وقيل يغفر ويود أن يغفر ، وقيل هو المتودد إلى أوليائه بالمغفرة. (ذُو الْعَرْشِ) أي خالقه ومالكه. (الْمَجِيدُ) قرئ بالرفع على أنه صفة لله تعالى لأن المجد من صفات التعالي والجلال ، وذلك لا يليق إلا بالله تعالى. وقرئ المجيد بالكسر على أنه صفة للعرش أي للسرير العظيم إذ لا يعلم صفة العرش وعظمته إلا الله تعالى وقيل أراد حسنه فوصفه بالمجيد فقد قيل إن العرش أحسن الأجسام ، ثم قال تعالى : (فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) يعني أنه لا يعجزه شيء ولا يمنع منه شيء طلبه ، وقيل فعال لما يريد لا يعترض عليه معترض ، ولا يغلبه غالب ، فهو يدخل أولياءه الجنة برحمته ، لا يمنعه من ذلك مانع ، ويدخل أعداءه النار لا ينصرهم منه ناصر. (هَلْ أَتاكَ) أي قد أتاك (حَدِيثُ الْجُنُودِ) أي خبر الجموع الكافرة الذين تجندوا على الأنبياء ثم بين من هم فقال تعالى : (فِرْعَوْنَ) يعني وقومه (وَثَمُودَ) وكانت قصتهم عند أهل مكة مشهورة (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي من قومك يا محمد. (فِي تَكْذِيبٍ) يعني لك وللقرآن كما كذب من كان قبلهم من الأمم ، ولم يعتبروا بمن أهلكنا منهم (وَاللهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ) ، أي عالم بهم لا يخفى عليه شيء من أعمالهم يقدر أن ينزل بهم ما أنزل بمن كان قبلهم.
(بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (٢١) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (٢٢))
(بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ) أي كريم شريف كثير النفع والخير ليس هو كما زعم المشركون أنه شعر وكهانة. (فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ) قرئ بالرفع على أنه نعت للقرآن ، محفوظ يعني أن القرآن من التبديل والتغيير والتحريف ، وقرئ محفوظ بالكسر على أنه نعت للوح لأنه يعرف باللوح المحفوظ وهو أم الكتاب ، ومنه تنسخ الكتب وسمي محفوظا لأنه حفظ من الشياطين من الزيادة والنقص ، وهو عن يمين العرش ، وروى البغوي بإسناد الثعلبي عن ابن عباس قال «إن في صدر اللوح لا إله إلا الله وحده دينه الإسلام ، ومحمد عبده ورسوله ، فمن آمن بالله عزوجل وصدق بوعده واتبع رسله ، أدخله الجنة» وقال : واللوح لوح من درة بيضاء طوله ما بين السماء والأرض ، وعرضه ما بين المشرق والمغرب ، وحافتاه الدر والياقوت ، ودفتاه ياقوتة حمراء ، وقلمه من نور ، وكلامه سر معقود بالعرش وأصله في حجر ملك والله تعالى أعلم بمراده.