(أَيَحْسَبُ) أبو الأشد من قوته (أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ) يعني أيظن لشدته في نفسه ، أنه لا يقدر عليه الله ، وقيل هو الوليد بن المغيرة المخزومي. (يَقُولُ) يعني هذا الكافر (أَهْلَكْتُ) أي أنفقت (مالاً لُبَداً) أي كثيرا من التلبيد الذي يكون بعضه فوق بعض. يعني في عداوة محمد صلىاللهعليهوسلم (أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ) يعني أيظن أن لله لم يره ، ولا يسأله عن ماله من أين اكتسبه ، وفيم أنفقه ، وقيل كان كاذبا في قوله ، إنه أنفق ولم ينفق جميع ما قال والمعنى أيظن أن الله لم ير ذلك منه فيعلم مقدار نفقته. ثم ذكره نعمه عليه ليعتبر فقال تعالى : (أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ وَلِساناً وَشَفَتَيْنِ) يعني أن نعم الله على عبده متظاهرة ، يقروه بها كي يشكره ، وجاءه في الحديث «إن الله عزوجل يقول : ابن آدم إن نازعك لسانك فيما حرمت عليك فقد أعنتك عليه بطبقتين فأطبق عليه ، وإن نازعك بصرك فيما حرمت عليك فقد أعنتك عليه بطبقتين فأطبق عليه ، وإن نازعك فرجك فيما حرمت عليك فقد أعنتك عليه بطبقتين فأطبق عليه». (وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ) قال أكثر المفسرين طريق الخير والشر والحق ، والباطل ، والهدى ، والضلالة ، وقال ابن عباس : الثديين (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ) أي فهلا أنفق ماله فيما يجوز به العقبة من فك الرقاب وإطعام المساكين يكون ذلك خيرا له من إنفاقه في عداوة من أرسله الله إليه ، وهو محمد صلىاللهعليهوسلم ، وقيل معناه لم يقتحمها ولا جاوزها والاقتحام الدّخول في الأمر الشّديد ، وذكر العقبة مثل ضربه الله تعالى : لمجاهدة النّفس ، والهوى ، والشّيطان في أعمال الخير ، والبر ، فجعله كالذي يتكلف صعود العقبة يقول الله عزوجل : لم يحمل على نفسه المشقة بعتق الرّقبة ، والإطعام ، وقيل إنه شبه ثقل الذنوب على مرتكبها بالعقبة ، فإذا أعتق رقبة وأطعم المساكين. كان كمن اقتحم العقبة وجاوزها ، وروي عن ابن عمر أن هذه العقبة جبل في جهنم ، وقيل هي عقبة شديدة في النار دون الجسر فاقتحموها بطاعة الله ومجاهدة النفس ، وقيل هي الصّراط يضرب على متن جهنم كحد السّيف مسيرة ثلاثة آلاف سنة سهلا وصعودا وهبوطا ، وأن بجنبيه كلاليب وخطاطيف ، كأنها شوك السّعدان فناج مسلم ، وناج مخدوش ، ومكردس في الناس منكوس ، فمن الناس من يمر كالبرق الخاطف ، ومنهم من يمر كالريح العاصف ، ومنهم من يمر كالفارس ، ومنهم من يمر كالرّجل يعدو ، ومنهم من يمر كالرجل يسير ، ومنهم من يزحف زحفا ومنهم الزّالون ومنهم من يكردس في النار ، وقيل معنى الآية : فهلا سلك طريق النجاة ثم بين ما هي. فقال تعالى :
(وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ (١٢) فَكُّ رَقَبَةٍ (١٣) أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (١٤) يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ (١٥) أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ (١٦) ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (١٧))
(وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ) أي وما أدراك ما اقتحام العقبة (فَكُّ رَقَبَةٍ) يعني عتق الرقبة وهو إيجاب الحرية لها ، وإبطال الرق ، والعبودية عنها ، وذلك بأن يعتق الرجل الرّقبة التي في ملكه ، أو يعطي مكاتبا ما يصرفه في فكاك رقبته ومن أعتق رقبة كانت فداءه من النار (ق) عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «من أعتق رقبة مسلمة أعتق الله بكل عضو منها عضوا منه من النار حتى فرجه بفرجه» وروى البغوي بسنده عن البراء بن عازب قال : «جاء أعرابي إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال يا رسول الله علمني عملا يدخلني الجنة قال لئن كنت أقصرت الخطبة لقد أعرضت المسألة أعتق النّسمة ، وفك الرّقبة قال أوليسا واحدا قال لا عتق النسمة أن تنفرد بعتقها ، وفك الرقبة أن تعين في ثمنها والمنحة الوكوف والفيء على ذي الرحم الظّالم ، فإن لم تطق ذلك فأطعم الجائع واسق الظّمآن وأمر بالمعروف وانه عن المنكر ، فإن لم تطق ذلك فكف لسانك إلا من خير» وقيل في معنى الآية وفك رقبة من رق الذّنوب بالتّوبة وبما يتكلفه من العبادات ، والطاعات التي يصير بها إلى رضوان الله ، والجنة فهي الحرية الكبرى ويتخلص بها من النار (أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ) أي في يوم ذي مجاعة والسغب الجوع (يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ) أي ذا قرابة يريد يتيما بينك وبينه قرابة (أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ) يعني قد لصق بالتراب من