منه من هذه الأمة وقدر عليه دخول النار لا يعذب فيها بالظمأ بل يكون عذابه بغير ذلك لأن ظاهر الحديث أن جميع الأمة تشرب منه إلا من ارتد ، وصار كافرا ، وقيل إن جميع المؤمنين يأخذون كتبهم بأيمانهم ، ثم يعذب الله من شاء من عصاتهم ، وقيل إنما يأخذ بيمينه الناجون منهم خاصة ، والشرب من الحوض مثله.
(شرح غريب ألفاظ الأحاديث)
قوله فيختلج العبد منهم ، أي ينتزع ويجذب منهم ، قوله ما بين جنبيه كما بين جربا ، وأذرح أما جربا فبجيم ثم راء ساكنة ثم باء موحدة ثم ألف مقصورة ، ووقع عند بعض رواة البخاري فيها المد والقصر أولى ، وهي قرية من الشام ، وأما أذرح فبهمزة ثم ذال معجمة ثم راء ثم حاء مهملة ، وهي في طرف الشام قريب من الشّوبك ، وأما عمان فبفتح العين وتشديد الميم بليدة بالبلقاء من أرض الشّام ، وأما أيلياء فبفتح الهمزة وإسكان المثناة تحت وفتح اللام مدينة معروفة في طرف الشام على ساحل البحر متوسطة بين دمشق ومصر بينها وبين المدينة نحو خمس عشرة مرحلة وبينها وبين مصر ثمان مراحل وإلى دمشق اثنا عشر مرحلة وهي آخر الحجاز وأول الشّام ، وأما صنعاء فهي قاعدة اليمن ، وأكبر مدنه ، وإنما قيد باليمن في الحديث لأن بدمشق موضعا يعرف بصنعاء دمشق وقد تقدم الكلام على اختلاف هذه المسافات والجمع بين رواتها قوله يشخب فيه ميزابان هو بفتح الياء المثناة تحت وبالشين والخاء المعجمتين ، أي يسيل فيه وفي الحديث الآخر يغت بفتح الياء وبالغين المعجمة وكسرها ، وتشديد التاء المثناة فوق ، أي يدفق منه ميزابان تدفقا شديدا متتابعا قوله إني لبعقر حوضي هو بضم العين المهملة ، وإسكان القاف وهو موقف الإبل من الحوض إذا وردته للشرب ، وقيل هو مؤخر الحوض قوله أذود الناس ، أي أضرب الناس لأهل اليمن بعصاي حتى يرفض عليهم ، معناه أطرد الناس عنه غير أهل اليمن ، ومعنى يرفض أي يسيل عليهم ، وفيه منقبة عظيمة لأهل اليمن قوله أنا فرطكم على الحوض الفرط بفتح الفاء والراء هو الذي يتقدم على الواردين ليصلح لهم الحياض ، والدّلاء ونحوها من آلات الاستقاء ، والمعنى أنا سابقكم على الحوض كالمهيئ له قوله سحقا ، أي بعدا وفيه دليل لمن قال إنهم أهل الردة إذ لا يقال للمؤمن سحقا بل يشفع قلت في حديث أنس الأول دليل لمن يقول أن سورة الكوثر مدنية وهو الأظهر لقوله بينا رسول الله صلىاللهعليهوسلم بين أظهرنا إذا أغفى إغفاءه يعني نام نومة ثم رفع رأسه متبسما والله أعلم.
قوله تعالى : (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) معناه أن ناسا كانوا يصلون لغير الله تعالى وينحرون لغير الله فأمر الله نبيه صلىاللهعليهوسلم أن يصلي له وينحر له متقربا إلى ربه بذلك ، وقيل معناه فصل لربك صلاة العيد يوم النحر ، وانحر نسكك ، وقيل معناه فصل الصّلاة المفروضة بجمع ، وانحر البدن بمنى وقال ابن عباس : (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) أي ضع يدك اليمنى على اليسرى في الصّلاة عند النّحر ، وقيل هو رفع اليدين مع التّكبير إلى النّحر حكاه ابن الجوزي ، ومعنى الآية قد أعطيتك ما لا نهاية لكثرته من خير الدّارين وخصصتك بما لم أخص به أحدا غيرك ، فاعبد ربك الذي أعطاك هذا العطاء الجزيل ، والخير الكثير ، وأعزك ، وشرفك على كافة الخلق ، ورفع منزلتك فوقهم فصل له واشكره على إنعامه عليك ، وانحر البدن متقربا إليه (إِنَّ شانِئَكَ) يعني عدوك ومبغضك (هُوَ الْأَبْتَرُ) يعني هو الأذل المنقطع دابره نزلت في العاص بن وائل السهمي وذلك أنه رأى النبي صلىاللهعليهوسلم خارجا من المسجد وهو داخل فالتقيا عند باب بني سهم وتحدثا وأناس من صناديد قريش جلوس في المسجد فلما دخل العاص قالوا له من الذي كنت تتحدث معه فقال ذلك الأبتر يعني به النبي صلىاللهعليهوسلم وكان قد توفي ابن لرسول الله صلىاللهعليهوسلم من خديجة ، وقيل إن العاص بن وائل كان إذا ذكر رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال دعوه فإنه رجل أبتر لا عقب له ، فإذا هلك انقطع ذكره ، فأنزل الله تعالى هذه السّورة وقال ابن عباس : نزلت في كعب بن الأشرف ، وجماعة من قريش ، وذلك أنه لما قدم كعب بن الأشرف مكة قالت له قريش نحن أهل السقاية والسدانة وأنت سيد أهل المدينة فنحن خير أم هذا الصّنبور المنبتر