وقد قيل إنه كان يخيل إليه أنه وطئ زوجاته ، وليس واطئ ، وهذا مثل ما يتخيله الإنسان في المنام. فلا يبعد أن يتخيله في اليقظة ، ولا حقيقة له ، وقيل إنه يخيل إليه أنه فعله وما فعله ، ولكن لا يعتقد ما تخيله فتكون اعتقاداته على السّداد قال القاضي : وقد جاءت في بعض روايات هذا الحديث مبينة أن السحر إنما سلط على بدنه وظواهر جوارحه لا على قلبه وعقله واعتقاده وليس في ذلك ما يوجب لبسا على الرسالة ولا طعنا لأهل الزّيغ والضّلالة ، وقوله ما وجع الرجل قال مطبوب أي مسحور قوله ، وجف طلعة ذكر يروى بالباء ويروى بالفاء ، وهو وعاء طلع النخل.
وأما الرّقى والتّعاويذ فقد اتفق الإجماع على جواز ذلك إذا كان بآيات من القرآن ، أو إذ كانت وردت في الحديث ، ويدل على صحته الأحاديث الواردة في ذلك منها حديث أبي سعيد المتقدم أن جبريل رقي النبي صلىاللهعليهوسلم ، ومنها ما روي عن عبيد بن رفاعة الزرقي «أن أسماء بنت عميس قالت يا رسول الله إن ولد جعفر تسرع إليهم العين. أفأسترقي لهم قال نعم فإنه لو كان شيء سابق القدر لسبقته العين» أخرجه التّرمذي وقال : حديث صحيح وعن أبي سعيد الخدري «أن النبي صلىاللهعليهوسلم كان يتعوذ ويقول أعوذ بالله من الجان ، وعين الإنسان فلما نزلت المعوذتان أخذ بهما ، وترك ما سواهما» أخرجه التّرمذي وقال : حديث حسن غريب فهذه الأحاديث تدل على جواز الرّقية ، وإنما المنهي عنه منها ما كان فيه كفر أو شرك أو ما لا يعرف معناه مما ليس بعربي لجواز أن يكون فيه كفر والله أعلم.
(وأما التفسير)
فقوله عزوجل (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) ، أراد بالفلق الصبح ، وهو قول الأكثرين ، ورواية عن ابن عباس لأن الليل ينفلق عن الصبح وسبب تخصيصه في التعوذ أن القادر على إزالة هذه الظلمة عن العالم قادر على أن يدفع عن المستعيذ ما يخافه ، ويخشاه ، وقيل إن طلوع الصبح كالمثال لمجيء الفرج ، كما أن الإنسان ينتظر طلوع الصّباح ، فكذلك الخائف يترقب مجيء النجاح ، وقيل إن تخصيص الصبح بالذكر في هذا الموضع لأنه وقت دعاء المضطرين ، وإجابة الملهوفين ، فكأنه يقول قل أعوذ برب الوقت ، الذي يفرج فيه هم المهمومين والمغمومين ، وروي عن ابن عباس أن الفلق سجن في جهنم ، وقيل هو واد في جهنم إذ فتح استعاذ أهل النار من حره ، ووجهه أن المستعيذ قال : أعوذ برب هذا العذاب ، القادر عليه من شر عذابه ، وغيره وروي عن ابن عباس أيضا أن الفلق الخلق ، ووجه هذا التأويل ، أن الله تعالى فلق ظلمات بحر العدم بإيجاد الأنوار ، وخلق منه الخلق ، فكأنه قال قل أعوذ برب جميع الممكنات ، ومكون جميع المحدثات (مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ) قيل يريد به إبليس خاصة لأنه لم يخلق الله خلقا هو شر منه ، ولأن السحر لا يتم إلا به وبأعوانه وجنوده ، وقيل من شر كل ذي شر ، وقيل من شر ما خلق من الجن ، والإنس. (وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ) عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت «إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم نظر إلى القمر فقال يا عائشة استعيذي بالله من شر هذا ، فإن هذا هو الغاسق إذا وقب» أخرجه التّرمذي وقال حديث حسن صحيح ، فعلى هذا الحديث المراد به القمر إذا خسف ، واسود ومعنى وقب دخل في الخسوف ، أو أخذ في الغيبوبة ، وقيل سمي به لأنه إذا خسف اسود ، وذهب ضوءه وقيل إذا وقب دخل في المحاق ، وهو آخر الشهر وفي ذلك الوقت يتم السحر المورث للتمريض ، وهذا مناسب لسبب نزول هذه الآية. وقال ابن عباس : الغاسق الليل إذا وقب أي أقبل بظلمته من المشرق ، وقيل سمي الليل غاسقا لأنه أبرد من النهار ، والغسق البرد وإنما أمر بالتعوذ من الليل لأن فيه تنشر الآفات ، ويقل الغوث وفيه يتم السحر ، وقيل الغاسق الثريا إذا سقطت ، وغابت ، وقيل إن الأسقام تكثر عند وقوعها ، وترتفع عند طلوعها فلهذا أمر بالتعوذ من الثريا عند سقوطها (وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ) يعني السواحر اللاتي ينفثن في عقد الخيط حين يرقين عليها ،