النَّارِ فَسَتَذْكُرُونَ ما أَقُولُ لَكُمْ) أي إذا عاينتم العذاب حين لا ينفعكم الذكر (وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ) أي أرد أمري إلى الله وذلك أنهم توعدوه لمخالفته دينهم (إِنَّ اللهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ) يعني يعلم المحق من المبطل ثم خرج المؤمن من بينهم فطلبوه فلم يقدروا عليه وذلك قوله تعالى : (فَوَقاهُ اللهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا) يعني ما أرادوا به من الشر قيل إنه نجا مع موسى عليه الصلاة والسلام وكان قبطيا (وَحاقَ) يعني نزل (بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ) يعني الغرق في الدنيا والنار في الآخرة وذلك قوله تعالى : (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا) يعني صباحا ومساء قال ابن مسعود «أرواح آل فرعون في أجواف طيور سود يعرضون على النار كل يوم مرتين تغدو وتروح إلى النار ويقال يا آل فرعون هذه منازلكم حتى تقوم الساعة» وقيل تعرض روح كل كافر على النار بكرة وعشيا ما دامت الدنيا.
ويستدل بهذه الآية على إثبات عذاب القبر أعاذنا الله تعالى منه بمنّه وكرمه (ق) عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال «إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة وإن كان من أهل النار فمن أهل النار يقال هذا مقعدك حين يبعثك الله تعالى إليه يوم القيامة» ثم أخبر الله تعالى عن مستقرهم يوم القيامة فقال تعالى : (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ) أي يقال لهم ادخلوا يا آل فرعون (أَشَدَّ الْعَذابِ) قال ابن عباس ألوان من العذاب غير الذي كانوا يعذبون بها منذ أغرقوا.
(وَإِذْ يَتَحاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِنَ النَّارِ (٤٧) قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيها إِنَّ اللهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبادِ (٤٨) وَقالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذابِ (٤٩) قالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا بَلى قالُوا فَادْعُوا وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ (٥٠) إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ (٥١) يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (٥٢))
قوله تعالى : (وَإِذْ يَتَحاجُّونَ) أي واذكر يا محمد لقومك إذ يختصمون يعني أهل النار (فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً) أي في الدنيا (فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِنَ النَّارِ قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا) يعني الرؤساء والقادة (إِنَّا كُلٌّ فِيها) يعني نحن وأنتم (إِنَّ اللهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبادِ) أي قضى علينا وعليكم (وَقالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ) يعني حين اشتد عليهم العذاب (لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذابِ قالُوا) يعني الخزنة (أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّناتِ) يعني لا عذر لكم بعد مجيء الرسل (قالُوا بَلى) أي اعترفوا بذلك (قالُوا فَادْعُوا) يعني أنتم إنا لا نّدعوا لكم لأنهم علموا أنه لا يخفف عنهم العذاب قال الله تعالى : (وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ) يعني يبطل ويضل ولا ينفعهم.
قوله عزوجل : (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) قال ابن عباس بالغلبة والقهر ، وقيل بالحجة وقيل بالانتقام من الأعداء في الدنيا والآخرة وكل ذلك حاصل لهم فهم منصورون بالحجة على من خالفهم تارة وقد نصرهم الله بالقهر على من عاداهم وأهلك أعداءهم بالانتقام منهم كما نصر يحيى بن زكريا لما قتل فإنه قتل به سبعين ألفا (وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ) يعني وننصرهم يوم القيامة يوم يقوم الأشهاد وهم الحفظة من الملائكة يشهدون للرسل بالتبليغ وعلى الكفار بالتكذيب (يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ) أي إن اعتذروا عن كفرهم لم يقبل منهم (وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ) أي البعد من الرحمة (وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) يعني جهنم.