ثلاثة مواطن عند الموت وفي القبر وعند البعث (أَلَّا تَخافُوا) أي من الموت وقيل لا تخافوا على ما تقدمون عليه من أمر الآخرة (وَلا تَحْزَنُوا) أي على ما خلفتم من أهل وولد فإنا نخلفكم في ذلك كله وقيل لا تخافوا من ذنوبكم ولا تحزنوا فأنا أغفرها لكم (وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ) أي تقول الملائكة عند نزولهم بالبشرى نحن أولياؤكم أي أنصاركم وأحباؤكم وقيل تقول لهم الحفظة نحن كنا معكم (فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ) نحن أولياؤكم (فِي الْآخِرَةِ) لا نفارقكم حتى تدخلوا الجنة (وَلَكُمْ فِيها) أي في الجنة (ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ) أي من الكرامات واللذات (وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ) أي تتمنون (نُزُلاً) أي رزقا والنزل رزق النزيل والنزيل هو الضيف (مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ) قال أهل المعاني كل هذه الأشياء المذكورة في هذه الآية جارية مجرى النزل والكريم إذا أعطى هذا النزل فما ظنك بما بعده من الألطاف والكرامة.
قوله تعالى : (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعا إِلَى اللهِ) أي إلى طاعة الله تعالى وقيل هو رسول الله صلىاللهعليهوسلم دعا الناس إلى شهادة أن لا إله إلا الله ، وقيل : هو المؤمن أجاب الله تعالى فيما دعاه إليه ودعا الناس إلى ما أجاب إليه (وَعَمِلَ صالِحاً) في إجابته وقالت عائشة رضي الله تعالى عنها : أرى أن هذه الآية نزلت في المؤذنين وقيل إن كل من دعا إلى الله تعالى بطريق من الطرق فهو داخل في هذه الآية.
وللدعوة إلى الله تعالى مراتب :
الأولى : دعوة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إلى الله تعالى بالمعجزات وبالحجج والبراهين وبالسيف وهذه المرتبة لم تتفق لغير الأنبياء.
المرتبة الثانية : دعوة العلماء إلى الله تعالى بالحجج والبراهين فقط والعلماء أقسام علماء بالله وعلماء بصفات الله وعلماء بأحكام الله.
المرتبة الثالثة : دعوة المجاهدين إلى الله تعالى بالسيف فهم يجاهدون الكفار حتى يدخلوا في دين الله وطاعته.
المرتبة الرابعة : دعوة المؤذنين إلى الصلاة فهم أيضا دعاة إلى الله تعالى وإلى طاعته ، وعمل صالحا ، قيل : العمل الصالح على قسمين قسم يكون من أعمال القلوب وهو معرفة الله تعالى وقسم يكون بالجوارح وهو سائر الطاعات وقيل : وعمل صالحا صلّى ركعتين بين الأذان والإقامة (ق). عن عبد الله بن مغفل قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «بين كل أذانين صلاة بين كل أذانين صلاة وقال في الثالثة لمن شاء» عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : «الدعاء بين الأذان والإقامة لا يرد» أخرجه أبو داود والترمذي ، وقال هذا حديث حسن. (وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) قيل ليس الغرض منه القول فقط بل يضم إليه اعتقاد القلب فيعتقد بقلبه دين الإسلام مع التلفظ به.
(وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (٣٤) وَما يُلَقَّاها إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (٣٥) وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٣٦) وَمِنْ آياتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (٣٧) فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ (٣٨))
قوله تعالى : (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ) يعني الصبر والغضب والحلم والجهل والعفو والإساءة