تعالى : (لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً) وقيل أراد تحليل الحلال وتحريم الحرام ، وقيل تحريم الأمهات والبنات والأخوات فإنه مجمع على تحريمهن ، وقيل لم يبعث الله نبيا إلا وصاه بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والإقرار لله تعالى بالوحدانية والطاعة وقيل بعث الله الأنبياء كلهم بإقامة الدين والألفة والجماعة وترك الفرقة (كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ) أي من التوحيد ورفض الأوثان (اللهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ) أي يصطفي لدينه من يشاء من عباده (وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ) أي يقبل على طاعته (وَما تَفَرَّقُوا) يعني أهل الأديان المختلفة ، وقال ابن عباس : يعني أهل الكتاب (إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ) أي بأن الفرقة ضلالة (بَغْياً بَيْنَهُمْ) أي ولكنهم فعلوا ذلك للبغي وقيل بغيا منهم على محمد صلىاللهعليهوسلم (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ) أي في تأخير العذاب عنهم (إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) يعني إلى يوم القيامة (لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) أي بين من آمن وكفر يعني لأنزل العذاب بالمكذبين في الدنيا (وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ) أي اليهود والنصارى (مِنْ بَعْدِهِمْ) أي من بعد أنبيائهم وقيل الأمم الخالية (لَفِي شَكٍّ مِنْهُ) أي من أمر محمد صلىاللهعليهوسلم فلا يؤمنون به (مُرِيبٍ) يعني مرتابين شاكين فيه (فَلِذلِكَ) أي إلى ذلك (فَادْعُ) أي إلى ما وصى الله تعالى به الأنبياء من التوحيد وقيل لأجل ما حدث به من الاختلاف في الدين الكثير فادع أنت إلى الاتفاق على الملة الحنيفية (وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ) أي أثبت على الدين الذي أمرت به (وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ) أي المختلفة الباطلة (وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللهُ مِنْ كِتابٍ) أي آمنت بكتب الله المنزلة كلها وذلك لأن المتفرقين آمنوا ببعض الكتب وكفروا ببعض (وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ) قال ابن عباس أمرت أن لا أحيف عليكم بأكثر مما افترض الله عليكم من الأحكام وقيل لأعدل بينكم في جميع الأحوال والأشياء وقيل لأعدل بينكم في الحكم إذا تخاصمتم وتحاكمتم إلى (اللهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ) يعني أن إله الكل واحد وكل أحد مخصوص بعمل نفسه وإن اختلفت أعمالنا فكل يجازي بعمله (لا حُجَّةَ) أي لا خصومة (بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ) وهذه الآية منسوخة بآية القتال إذا لم يؤمر بالقتال وأمر بالدعوة فلم يكن بينه وبين من لا يجيب خصومة (اللهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا) أي في المعاد لفصل القضاء (وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ).
(وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللهِ مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ (١٦) اللهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزانَ وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (١٧) يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (١٨))
قوله عزوجل : (وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللهِ) أي يخاصمون في دين الله قيل هم اليهود قالوا كتابنا قبل كتابكم ونبينا قبل نبيكم فنحن خير منكم فهذه خصومتهم (مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ) أي من بعد ما استجاب الناس لدين الله تعالى فأسلموا ودخلوا في دينه لظهور معجزة نبيه صلىاللهعليهوسلم (حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ) أي خصومتهم باطلة (عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ) أي في الآخرة (اللهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ بِالْحَقِ) أي الكتاب المشتمل على أنواع الدلائل والأحكام (وَالْمِيزانَ) أي العدل سمي العدل ميزانا لأن الميزان آلة الإنصاف والتسوية ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : أمر الله تعالى بالوفاء ونهى عن البخس (وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ) أي وقت إتيانها قريب وذلك أن النبي صلىاللهعليهوسلم ذكر الساعة وعنده قوم من المشركين فقالوا تكذيبا له متى تكون الساعة فأنزل الله تعالى : (يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها) أي ظنا منهم أنها غير آتية (وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ) أي خائفون (مِنْها وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُ) أي أنها آتية لا شك فيها (أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ) أي يخاصمون (فِي السَّاعَةِ) وقيل يشكون فيها (لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ) قوله عزوجل :