وإنّما يحصل [ذلك] (١) بكثرة التفات النفس إلى المعقولات ، بحيث تقوى القوّة الناطقة ، وقلّة التفاتها إلى القوى البدنية البهيمية ، وإنّما يحصل ذلك بامتثال الأوامر الإلهية ، وإنّما يتمّ ذلك ـ علما وعملا ـ بالمعصوم ، كما تقدّم تقريره غير مرّة.
الرابع والثمانون : العفّة تحدث عن القوّة البهيمية ، وذلك إذا كانت حركتها معتدلة منقادة للنفس الناطقة غير مباينة عليها. وغاية ظهورها في الإنسان أن يصرف شهواته بحسن الرأي ، أعني أن يوافق التميّز الصحيح حتى لا ينقاد لها ، ويصير بذلك حرّا غير متعبّد لشيء من شهواته ، وهي فضيلة عظيمة مطلوبة. وإنّما يتمّ ذلك بقهر القوى الشهوانية ، ولا يحصل إلّا بالمعصوم ، كما تقدّم تقريره غير مرّة.
الخامس والثمانون : العفّة واسطة بين رذيلتين :
الأولى : الشره : وهو الانهماك في اللذّات والخروج فيها عمّا ينبغي.
الثانية : الخمود : وهو السكون عن الحركة التي يسلك بها نحو اللذّة الجملية (٢) التي يحتاج إليها البدن في ضروراته ، وهي ما يرخّصه العقل والشرع.
والأولى أشرّ من الثانية بكثير ، فلا بدّ من حافظ للشرع في كلّ وقت ، يعرف أحكامه الصحيحة والفاسدة وما حرّم من الشهوات ؛ ليخلص من الأولى ، ويعرف ما يحلّ ؛ ليخلص من الثانية. والكتاب والسنّة لا يفيان بذلك ، فتعيّن الإمام.
ويجب أيضا قهر القوّة الشهوية بحيث لا يقع في الرذيلة الأولى ، فإنّ أكثر تداعي القوّة البشرية إلى استعمال القوّة الشهوانية ، ولا يمنع ذلك إلّا الرئيس القاهر ، فيجب المعصوم ؛ إذ غيره لا يصلح لذلك.
السادس والثمانون : للعفّة أنواع :
الأوّل : الحياء : وهو [انحصار] (٣) النفس خوف إتيان القبائح ، والحذر من الذمّ والسبب الصارف.
__________________
(١) من «ب».
(٢) كذا في المخطوط ، والظاهر : (الجسمية).
(٣) في «أ» : (إعصار) ، وما أثبتناه من «ب».