النظر الثاني : في كيفية الوجوب
والحقّ عندنا أنّ وجوب نصب الإمام عامّ في كلّ وقت (١) ، وخالف في ذلك فريقان :
أحدهما : أبو بكر الأصم وأصحابه (٢) ، فإنّهم ذهبوا إلى أنّ وجوبه مخصوص بزمان الخوف وظهور الفتن ، ولا يجب مع الأمن وإنصاف الناس بعضهم من بعض ؛ لعدم الحاجة إليه.
الفريق الثاني : الفوطي وأتباعه (٣) ، فإنّهم ذهبوا إلى عدم وجوبه مع الفتن ، فإنّه ربّما كان نصبه سببا لزيادة الفتن ، واستنكافهم عنه ، وإنّما يجب عند العدل والأمن ، إذ هو أقرب إلى شعائر الإسلام.
لنا : دلالة الأدلّة الدالّة على وجوبه على عمومه ، إذ مع الإنصاف والأمن يجوز الخطأ ، ويحتاج إلى حفظ الشرع وإقامة الحدود ، فيجب الإمام.
ومع ظهور الفتن الخطأ واقع ، فالمكلّف إلى اللطف يكون أحوج.
__________________
(١) الإمامة والتبصرة من الحيرة : ٢٥ ـ ٣٢. أوائل المقالات (ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد) ٤ : ٣٩. الرسالة الماتعية (مع كتاب المسلك في أصول الدين) : ٣٠٦.
(٢) انظر : المسلك في أصول الدين : ١٨٨. مقالات الإسلاميين : ٤٦٠. كتاب أصول الدين : ٢٧١. كتاب المحصّل : ٥٧٤. الأربعين في أصول الدين ٢ : ٢٥٦.
أبو بكر الأصم : هو عبد الرحمن بن كيسان ، فقيه معتزلي ، مفسّر ، كان يخطّئ عليّا عليهالسلام في كثير من الأفعال ، ويصوّب معاوية في بعض الأفعال. توفّي في سنة ٢٢٥ ه. وكان يزعم : أنّ الناس لو كفّوا عن التظالم لاستغنوا عن الإمام. كتاب أصول الدين : ٢٧١ ، الأعلام ٣ : ٣٢٣.
(٣) انظر : الفرق بين الفرق : ١٦٣. كتاب أصول الدين : ٢٧١. الملل والنحل ١ : ٧٢.
الفوطي : هو هشام بن عمرو من أصحاب أبي الهذيل ، كان من أهل البصرة ، وسافر إلى بلدان عديدة ، وكان من دعاة الاعتزال. توفّي سنة ٢٢٦ ه. وكان يزعم أنّ الأمّة إذا اجتمعت كلمتها على الحقّ احتاجت إلى الإمام ، وأمّا إذا عصت وفجرت وقتلت الإمام لم يجب حينئذ على أهل الحقّ إقامة إمام. مناهج اليقين في أصول الدين : ٢٨٩. كتاب أصول الدين : ٢٧١ ـ ٢٧٢. الملل والنحل ١ : ٧٢ ـ ٧٤.