فإن جعلنا الإمام لطفا في ترك القبيح سواء كان [لوجه قبحه أو لا لوجه قبحه ، كان] (١) ذلك الترك مصلحة دنيويّة ، فيكون الإمام لطفا في المصالح الدنيويّة ، وذلك غير واجب بالاتّفاق على الله تعالى.
وإن جعلناه لطفا في ترك القبيح لوجه قبحه فقد جعلنا الإمام لطفا في صفات القلوب لا في أفعال الجوارح ، وذلك باطل ؛ لأنّ الإمام لا اطّلاع له على البواطن.
لا يقال : يحصل بسببه المواظبة على فعل الواجبات ، وهو يفيد استعدادا تامّا لخلوص الداعي في أنّ ذلك الفعل يفعل لوجه وجوبه ويترك لوجه قبحه ، وذلك مصلحة دينية.
لأنّا نقول : هذا يقتضي وجوب اللطف في المصالح الدنيويّة على الله تعالى ؛ لأنّ على ذلك التقدير يكون المصالح الدنيويّة والمواظبة عليها سببا لرعاية المصالح [الدينيّة] (٢) ، وذلك غير واجب اتّفاقا.
لأنّا نجيب : عن الأوّل : بأنّا قد بيّنا أنّ الإمام لطف لا يقوم غيره مقامه (٣).
ونزيد هاهنا فنقول : إنّ قيام البدل مقامه لا يتصوّر إلّا في حال عدمه ، وقد قلنا (٤) في صدر هذه المسألة : إنّا نعلم ضرورة أنّ التقريب والتبعيد عند عدم نصب الإمام أو تمكينه على عكس ما ينبغي ، فيستحيل أن يكون له بدل.
ولقوله تعالى : (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ
__________________
(١) من «ب».
(٢) في «أ» : (الدنيوية) ، وما أثبتناه من «ب».
(٣) بيّنه في البحث الخامس من هذه المقدمة.
(٤) قاله في الوجه السادس من البحث الخامس من هذه المقدمة.