نحو أن يقال : الصياغة أشرف من الدباغة ، لأن موضوعها هو الذهب والفضة ، أشرف من جلد الميتة ، الذى هو موضوع الدباغة.
وإما بشرف صورها ، نحو أن يقال : طبع السيوف أشرف من طبع القيود.
وإما بشرف غرضها ، وكمالها ، كصناعة الطب ، التى غرضها إفادة الصحة ، فإذا ثبت ذلك .. فصناعة التفسير قد حصل لها الشرف من جهاتها الثلاثة ، وهو أن موضوع المفسّر : كلام الله تعالى ، الذى هو ينبوع كل حكمة ، ومعدن كل فضيلة ، وصورة فعله : إظهار خفيات كل ما أودعه منزّله من أسراره ، ليدبّروا آياته ، وليذكر أولوا الألباب ، وغرضه : التمسك بالعروة الوثقى ، التى لا انفصام لها ، والوصول إلى السعادة الحقيقية ، التى لا فناء لها ، ولهذا أعظم الله محلّه ، بقوله تعالى : (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً) قيل : هو تفسير القرآن (١)
ولقد وردت لفظة (تفسير) فى القرآن الكريم لتعطى معنى الكشف والإيضاح. قال تعالى : (وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً) [الفرقان : ٣٣]
وجاء فى القاموس : الفسر : الإبانة وكشف المغطى. (٢)
وفى لسان العرب : الفسر : البيان. فسّر الشىء يفسّره بالكسر ، ويفسره بالضم ، فسرا ، وفسّره : أبانه. والتفسير مثله. ثم قال : الفسر : كشف المغطى. والتفسير : كشف المراد عن اللفظ المشكل ، أى توضيحه (٣).
__________________
(١) مقدمة تفسير القرآن ص ٤٢٢ من كتاب تنزيه القرآن عن المطاعن ، للقاضى عبد الجبار.
(٢) القاموس المحيط ٢ / ١١٠
(٣) ابن منظور ٦ / ٣٦١