قال ابن جرير : وإنما قلنا ذلك هو الصواب ، لإجماع أهل التأويل (التفسير) عليه ، وأن الله عزوجل أخبرنا أن كل عامل فجزاء عمله له أو عليه ، وإذا كان هذا حكمه فى خلقه ، فغير جائز أن تكون آثام المقتول مأخوذا بها القاتل ، وإنما يؤخذ القاتل بإثمه بالقتل المحرّم ، وسائر آثام معاصيه التى ارتكبها بنفسه ، دون ما ركبه قتيله.
* وهنا سؤال يطرح نفسه .. كيف أراد هابيل أن يكون على أخيه قابيل إثم قتله .. وإثم نفسه مع أن قتله له محرّم؟
نقول : إن هابيل أخبر عن نفسه بأنه لا يقاتل أخاه إن قاتله ، بل يكفّ عنه يده طالبا إن وقع قتل أن يكون من أخيه ـ لا منه. وهذا الكلام متضمن موعظة له لو اتعظ ، وزجرا له لو انزجر.
ولهذا قال : (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ) أى تتحمل إثمى وإثمك (فَتَكُونَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ ، وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ) [المائدة : ٢٩]
* إن هابيل نفّره من القتل بثلاث : الخوف من الله ، أن يبوء بإثمه وإثم نفسه ، كونه من أصحاب النار ومن الظالمين.
قال ابن عباس : خوّفه بالنار فلم ينته ، ولم ينزجر (فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ) [المائدة : ٣٠] ـ أى فحسّنت وسوّلت له نفسه ، وشجعته على قتل أخيه فقتله ، أى بعد هذه الموعظة ، وهذا الزجر ، فهدم ما بناه الله وأتقنه ، فأصبح من الخاسرين ، وأى خسارة أكبر من هذه الخسارة فى الدنيا والآخرة.