عال فى الأرضين ، أو فى السماوات ، ولكنه قريب من كل إنسان ولم يكن (يهوا) إله إبراهيم ، لأن قوم إبراهيم لم يذكروا (يهوا) من بعده قبل خروجهم إلى سيناء ، كما صرحت بذلك التوراة الأولى ، ولكنه كان هو الإله (الإيل) وإليه ينسب ابنه (إسماعيل). وكان هو العلىّ (عليون) وعلى محرابه قدم قربانه إلى ملكى صادق بعد نزوله بكنعان ، فهو إله لا فرق عنده بين وطن قديم ، أو وطن جديد ، ولا فضل لديه لعشيرة ابراهيم على عشيرة ملكى صادق ، ولا على غيرها من عشائر بنى آدم بغير التقوى والإيمان».
كانت دعوة إبراهيم الخليل ـ صلىاللهعليهوسلم ـ صرخة تسمع وتتجاوب بها الآفاق ، ولم تكن لغزا يخفى وتتحاجى به العقول ، كانت صحبة البيت والطريق ، وصحبة اليقظة والمنام ، وصحبة العزلة والجماعة ، وصحبة الحياة قبل الميلاد وبعد الميلاد ، ولم تزل حتى أصبحت صحبة الخلود الذى لا يعرف الفناء.
ولم يصبح كذلك قبل رسالة النبوة ، حين انبعث بها النبى أبو الأنبياء ، حين بشّر بها إبراهيم ، وما كان لنبوّة واحدة أن تؤدى رسالة التوحيد ، وتفرغ منها فى عمر رجل ، أو عمر جيل ، وإنما هى نبوة بعدها نبوّات فما من عقيدة دينية ظهرت للناس طفرة بغير سابقة ، وما من عهدين من عهود الإيمان إلّا وبينهما تمهيد وتعقيب ، ولكن الأمانة التى اضطلع بها الخليل إبراهيم حادث جديد ، لم تعرف له سابقة فيما وعيناه من تاريخ الأديان ، ذلك الحادث الجديد هو أمانة الرسالة النبوية ، أمانة نفس حيّة تخاطب نفوسا حيّة بإسم الإله ، الذى يتوجه إليه عباده فى كل مكان ، أمانة نفس تخاطب النفوس ، ولا تخاطبهم من وراء المحاريب والهياكل ، ولا بسلطان من نظام الدولة أو الكهانة ، ولكنها نداء ضمير إلى ضمير.