* المحنة الثانية : محنة الاسترقاق :
وقد وردت فى قوله تعالى : (وَجاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وارِدَهُمْ فَأَدْلى دَلْوَهُ قالَ : يا بُشْرى هذا غُلامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضاعَةً ، وَاللهُ عَلِيمٌ بِما يَعْمَلُونَ. وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ ، وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ. وَقالَ الَّذِي اشْتَراهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ : أَكْرِمِي مَثْواهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً)
[يوسف : ١٩ ـ ٢١].
يخبر الحق ـ سبحانه ـ أنه حين وضع يوسف فى الجبّ ، جلس ينتظر فرج الله ، ولطفه به ، فجاءت سيارة ، أى مسافرون. قال أهل الكتاب : كانت بضاعتهم من الفستق ، والصنوبر والبطم. (وهى حبة خضراء من الفصيلة الفستقية) ـ قاصدين ديار مصر من الشام ، فأرسلوا بعضهم ليستقوا من ذلك البئر ، فلما أدلى أحدهم دلوه تعلّق فيه يوسف ، فلما رآه ذلك الرجل : (قالَ يا بُشْرى) أى يا بشارتى (هذا غُلامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضاعَةً) أى أوهموا أنه معهم غلام من جملة متجرهم ، (وَاللهُ عَلِيمٌ بِما يَعْمَلُونَ) ـ أى هو عالم بما تمالأ عليه إخوته ، وبما يسره واجدوه من أنه بضاعة لهم ، ومع هذا لا يغيره تعالى ، لما له فى ذلك من الحكمة العظيمة ، والقدر السابق ، والرحمة بأهل مصر ، بما يجرى الله على يدى هذا الغلام ، الذى يدخلها فى صورة أسير رقيق ، ثم بعد هذا يملّكه أزمة الأمور ، وينفعهم الله به فى دنياهم وأخراهم بما لا يحد ولا يوصف. (١)
ولما استشعر إخوة يوسف بأخذ المسافرين له لحقوهم ، وقالوا : هذا غلامنا أبق منا ، فاشتروه منهم بثمن بخس ، أى قليل نذر (دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ.)
__________________
(١) ابن كثير : قصص الأنبياء ص ٢٣٧