ولهذا قال تعالى : (فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [يوسف : ٣٤] أى أجاب الله دعاءه ، فنجاه من مكرهن ، وثبّته على العصمة والعفة ، (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ) أى لدعاء الملتجئين إليه. (الْعَلِيمُ) بأحوالهم ، وما انطوت عليه نياتهم.
وهكذا اجتاز يوسف محنته الثالثة بلطف الله ورعايته. (ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ) [يوسف : ٣٥] وهذه هى بداية المحنة الرابعة ، وهى الأخيرة ، من محن الشدة فى حياة يوسف الصديق ، وهى محنة السجن ، وكل ما بعدها فرخاء.
والمعنى : ثم ظهر للعزيز وأهله ، ومن استشارهم ، بعد الدلائل القاطعة على براءة يوسف ، سجنه إلى مدة من الزمن غير معلومة ، ليكون ذلك أقل لكلام الناس فى تلك القضية ، وأحمد لأمرها وليظهروا أنه راودها عن نفسها ، فسجن بسببها ، فسجنوه ظلما وعدوانا ، وكان هذا مما قدّر الله له ، ومن جملة ما عصمه به ، فإنه أبعد له عن معاشرتهم ومخالطتهم.
روى أن جبريل ـ عليهالسلام ـ جاء إلى يوسف ، وهو فى السجن ، معاتبا له ، فقال له :
ـ يا يوسف من خلّصك من القتل من أيدى إخوتك؟ قال : الله تعالى.
قال : فمن أخرجك من الجب؟ قال : الله تعالى.
قال : فمن عصمك من الفاحشة؟ قال : الله تعالى.
قال : فمن صرف عنك كيد النساء؟ قال : الله تعالى.
قال : فكيف تركت ربك فلم تسأله ، ووثقت بمخلوق؟