وللتشويق إلى سماع الأخبار دون سآمة أو ملل وأما قصة يوسف ـ عليهالسلام ـ فقد ذكرت حلقاتها هنا متتابعة بإسهاب وإطناب ، ولم تكرر فى مكان آخر كسائر قصص الرسل ، لتشير إلى «إعجاز القرآن» فى المجمل والمفصّل ، وفى حالتى الإيجاز والإطناب ، فسبحان الملك العلى الوهاب.
قال القرطبى : ذكر الله أقاصيص الأنبياء فى القرآن ، وكررها بمعنى واحد فى وجوه مختلفة ، وبألفاظ متباينة ، على درجات البلاغة والبيان ، وذكر قصة يوسف ـ عليهالسلام ـ ولم يكررها ، فلم يقدر مخالف على معارضة المكرر ، ولا على معارضة غير المكرر ، والإعجاز واضح لمن تأمل ، وصدق الله (لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ)(١)
أضف إلى ذلك .. أنه قد يكون السبب ما فيها من تشبيب النسوة بيوسف ، وتضمن الإخبار عن حال امرأة ونسوة ، افتتن بأبدع الرجال جمالا ، وأرفعهم مثالا ، فناسب عدم تكرارها لما فيه من الإغضاء والستر عن ذلك.
وأيضا ـ أن القصة اختصت بحصول الفرج بعد الشدة ، بخلاف غيرها من القصص ، فإن مآلها إلى الوبال ، كقصة إبليس ، وقوم نوح ، وقوم هود ، وغيرهم ، فلما اختصت قصة يوسف بذلك ، اتفقت الدواعى على عدم تكرارها.
ووجه آخر ذكره المفسرون ، أن القرآن إنما كرر قصص الأنبياء ، وساق قصة يوسف مساقا واحدا ـ إشارة إلى عجز العرب ، كأن النبى ـ صلىاللهعليهوسلم ـ قال لهم : إن كان من تلقاء نفسى تصديره على الفصاحة ، فافعلوا فى قصة يوسف ما فعلت فى قصص الأنبياء.
__________________
(١) تفسير القرطبى ٩ / ١٣١ ، والآية من سورة يوسف ١١١