وقال أبو سليمان الضبى : كانت تجيئنا كتب عمر بن عبد العزيز ، فيها الأمر والنهى ، فيكتب فى آخرها «وما كنت من ذلك إلّا كما قال العبد الصالح (وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ.)
ومضمون الآية : يا قوم أخبرونى ماذا أفعل معكم ومع نفسى؟ إن كنت على يقين تام ، وحجة واضحة من ربى تفيد أن ما آمركم به هو من عند الله ، لا من عند نفسى ، والله أعلم حيث يجعل رسالته ، وقد رزقت من فضله وخيره رزقا حسنا كثيرا ، حصل لى من طريق الكسب الحلال ، فأنا رجل ملىء وخبير بما ينمى المال ، وأخبرونى ماذا أفعل ، وماذا أقول لكم غير الذى قلت؟
وما أريد أن أخالفكم مائلا إلى ما نهيتكم عنه ، بل أنا مستمسك به قبلكم ، لأنى أريد فيه الخير والرشاد فى الدنيا والآخرة ، وأنا ما أريد إلا الإصلاح والخير لى ولكم ما استطعت إلى ذلك سبيلا ليس لى فيما أفعل غرض خاص.
ومن هنا يؤخذ أن العاقل يجب أن يكون عمله مراعيا فى حق الله ورسوله ، وحق نفسه ، وحق الناس عليه ، وما توفيقى وهدايتى إلى الخير إلا بالله وحده ، عليه توكلت ، وإليه أنيب ، إذ هو المرجع والمآب ، والنافع والضار ، لا أرجو منكم خيرا ، ولا أخاف ضرّا.
(وَيا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ ما أَصابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صالِحٍ ، وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ ، وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ) [هود : ٨٩ ، ٩٠]
يقول لهم شعيب : (وَيا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي) أى لا تحملنكم عداوتى وبغضى على الإصرار على ما أنتم عليه من الكفر والفساد ، فيصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح ، وقوم هود ، وقوم صالح ، وقوم لوط من النقمة والعذاب.