* فالمؤمن من يتفطّن لما ابتلاه الله به من الضراء والسراء ، ولهذا جاء فى الحديث النبوى الشريف :
«لا يزال البلاء بالمؤمن حتى يخرج نقيا من ذنوبه ، والمنافق مثله كمثل الحمار لا يدرى فيم ربطه أهله ، ولا فيم أرسلوه» أو كما قال.
ولهذا عقب هذه الصفة بقوله : (فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) أى أخذناهم بالعقوبة بغتة ، أى على غفلة وعدم شعور منهم .. أى أخذناهم فجأة ـ كما فى الحديث الشريف :
«موت الفجأة رحمة للمؤمن ، وأخذة أسف للكافر»
ومضمون الآية : وما أرسلنا فى قرية من القرى ، ولا مدينة من المدن ، ما أرسلنا فيها رسولا ثم كذب أهلها وعصوا إلّا أخذناهم بالشدة والمكروه ، وما أصابتهم سنين عجاف ، لعلهم بهذا يتضرعون ويلتجئون إلى ربهم ، وهكذا سنة الله فى الخلق ، ولن تجد لسنة تبديلا ، يرسل الشدائد لعلها ترجع الإنسان إلى ربّه ، وترده عن غيّه ، ولكن كثيرا من الناس لا تردعهم الروادع ، فهؤلاء ينطبق عليهم قوله تعالى :
(فَلَوْ لا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ ، وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) [الأنعام : ٤٣] ثم أعطينا بدل الشدة سعة ، ومكان الفقر والضيق غنى وفضلا ، حتى عفوا وكثروا فى المال والعدد ، فالله سبحانه يريهم الحالتين ، ويمكّن لهم فى الجهتين ، لعلهم يعتبرون ، ولكن العصاة يقولون : هؤلاء آباؤنا قد مستهم الضراء والسراء ، وحلّ بهم الضيق والفرج ، والعسر واليسر ، وما نحن إلّا مثلهم.
وهذا قول من لم يعتبر ويتعظ بأحداث الزمن. أليس ما هم فيه ابتلاء واستدراج؟