أى قد كان من هو أكثر منه مالا ، وما كان ذلك عن محبة منّا له ، وقد أهلكهم الله مع ذلك بكفرهم ، وعدم شكرهم ، ولهذا قال : (وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ) أى لكثرة ذنوبهم.
* وقد أجاد فى تفسير هذه الآية الإمام عبد الرحمن بن زيد بن سلم ، فإنه قال فى قوله تعالى : (قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي) قال : لو لا رضا الله عنى ، ومعرفته بفضلى ما أعطانى هذا المال. وقرأ (أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً)
وهكذا يقول من قلّ علمه ، إذا رأى من وسّع الله عليه ؛ لو لا أن يستحق ذلك لما أعطى.
* ولقد ردّ الله عليه أبلغ رد ـ حيث قال ما معناه : أعنده مثل هذا العلم الذى افتخر به وتعاظم ، ورأى نفسه مستوجبة كل نعمة ، ولم يعمل به حتى يقى به نفسه مصارع السوء ، التى أهلك الله بها الطغاة المتجبرين ، الذين هم أشد منه قوة وأكثر مالا وعددا ، ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون.
إن الإنسان يجب عليه ألا يغتر بماله وأولاده ، وجموعه ، مهما كانت ، فإن الله إذا أراد شيئا قال له كن فيكون ، ولنعلم أن الأيام دول ، وأن الدهر قلّب ، وليعتبر بما حصل فى الماضى ، وليحصن ماله بالإنفاق.
* ويحدثنا القرآن عن حال قارون مع قومه ، ومظاهر العظمة التى كان يحاول أن يضفيها على نفسه للتأثير فيهم وإبهارهم ، وبلبلة آرائهم.
يقول : (فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ ، قالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا : يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ. وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ـ ثَوابُ اللهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ، وَلا يُلَقَّاها إِلَّا الصَّابِرُونَ)
[القصص : ٧٩ ، ٨٠]