ولا شك أن هذا كله يدل على أن القرآن يصرف فيه ـ سبحانه ـ البيان تصريفا ، ليكون أقرب إلى التأثير ، والدفع إلى العمل ، وليس ذكر القصص للعبرة فقط ، بل هو مرشد وهاد مع ذلك إلى أقوم السبيل.
إن قول داود ـ متسرعا ـ قبل أن يسمع جواب الخصم الثانى .. (لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ ..) لعل هذا هو الذنب الذى ألم به داود.
وظن داود أنما فتناه بهذه الحادثة ، فاستغفر ربه مما ألم به ، وخر راكعا ، وصلى لله قائما وساجدا وأناب ، فغفر له ربه ذنبه ، فهذا رأى يستند إلى سرعة الحكم.
على أن لأبى حيان رأيا آخر ، قال :
«والذى يدل عليه ظاهر الآية : من أن المتسورين المحراب كانوا من الإنس ، ودخلوا عليه من غير المدخل ، وفى غير وقت جلوسه للحكم ، وأنه فزع منهم ظنا منه أنهم يغتالونه ، إذ كان منفردا فى محرابه ، لعبادة ربه ، فلما اتضح له أنهم جاءوا فى حكومة ، وبرز منهم إثنان للتحاكم ـ كما قص الله تعالى ـ فاستغفر من ذلك الظن ، وخرّ ساجدا لله عزوجل (١)
أما ما قاله البعض اعتمادا على بعض الروايات الإسرائيلية ـ مما ذكرناه وحذرنا منه ـ فإنه لا يصح بالنسبة إلى عوام المسلمين ، وجهلة الفساق ، فما بالك بالأنبياء ، بل بخواص الأنبياء؟
إننا نعلم قطعا ـ أن الأنبياء معصومون من الخطايا ، إذ لو جوّزنا عليهم شيئا من ذلك لبطلت الشرائع ، ولم نثق بشىء مما يذكرون ، فما حكى الله فى
__________________
(١) البحر المحيط ٣ / ٣٩٣ بشىء من الاختصار.