يبلغ الكتاب أجله ، وتنقضى رقدتهم التى شاء تبارك وتعالى فيهم ، لما له فى ذلك من الحكمة والحجة البالغة ، والرحمة الواسعة. وفى ذلك يقول سبحانه : (لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً) [الكهف : ١٨]
ثم كان مبعثهم على صورتهم الحقيقية كما كانوا؟
يقول تعالى : (وَكَذلِكَ بَعَثْناهُمْ لِيَتَساءَلُوا بَيْنَهُمْ قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ) أى كما أرقدناهم بعثناهم ، صحيحة أبدانهم وأشعارهم وأبصارهم ، لم يفقدوا من أحوالهم وهيآتهم شيئا ، وذلك بعد ثلاثمائة سنة وتسع سنين ، ولهذا تساءلوا بينهم (كَمْ لَبِثْتُمْ) أى كم رقدتم ، (قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) لأنه كان دخولهم إلى الكهف فى أول نهار ، واستيقاظهم كان فى آخر نهار ، ولهذا استدركوا فقالوا : (أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ـ قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ) أى الله أعلم بأمركم ، وكأنه حصل لهم نوع تردد فى كثرة نومهم.
* ثم عدلوا إلى الأهم فى أمرهم : إذ ذاك وهو احتياجهم إلى الطعام والشراب ، فقالوا : (فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ ، فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً) [الكهف : ١٩]
أى فابعثوا أحدكم بنقودكم الفضية هذه ، وذلك أنهم كانوا قد استصحبوا معهم دراهم من منازلهم لحاجتهم إليها ، فتصدّقوا منها ، وبقى منها ، فلهذا قالوا (فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ) أى مدينتكم التى خرجتم منها ـ والألف واللآم للعهد ـ (فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً) أى أطيب طعاما.
(وَلْيَتَلَطَّفْ) أى فى خروجه وذهابه وشرائه وإيابه ، يقولون وليختف كل ما يقدر عليه