(وَلا يُشْعِرَنَ) أى ولا يعلمن (بِكُمْ أَحَداً ، إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً) [الكهف : ٢٠]
أى إن علموا بمكانكم (يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ) يعنون أصحاب «دقيانوس» ، يخافون منهم أن يطلعوا على مكانهم ، فلا يزالون يعذبونهم بأنواع العذاب إلى أن يعيدوهم فى ملتهم ، التى هم عليها ، أو يموتوا ـ وإن وافقتموهم على العود فى الدين فلا فلاح لكم فى الدنيا ولا فى الآخرة ، ولهذا قال (وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً.)
والسؤال الآن : ما الحكمة فى أن الحق سبحانه بعثهم على هذه الحالة؟
يجيب سبحانه : (وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ ، وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيها) أى أطلعنا عليهم الناس ليعلموا أن البعث حق ، والنشور حق ، والحساب حق ، وأن القيامة لا ريب فيها ، ذكر بعض السلف : أنه كان قد حصل لأهل ذلك الزمان شك فى البعث ، وفى أمر القيامة ، وكان منهم طائفة قد قالوا تبعث الأرواح ولا تبعث الأجساد ، فبعث الله أهل الكهف ـ بأرواحهم وأجسادهم ، حجة ودلالة وآية على ذلك.
ذكروا .. أنه لما أراد أحدهم الخروج ليذهب إلى المدينة فى شراء شىء لهم ليأكلوه ، تنكر وخرج يمشى فى غير الجادة ، حتى انتهى إلى المدينة ، وذكروا أن اسمها (أفسوس) وهو يظن أنه قريب العهد بها ، وكان الناس قد تبدلوا قرنا بعد قرن ، وجيلا بعد جيل ، وأمة بعد أمة ، وتغيرت البلاد ومن عليها ، فجعل لا يرى شيئا من معالم البلد التى يعرفها ، ولا يعرف أحدا من أهلها ـ لا خواصها ولا عوامها ، فجعل يتحيّر فى نفسه ، ويقول لعل بى جنونا أو مسّا أو أنا حالم ، ويقول :
والله ما بى شىء من ذلك ، وإن عهدى بهذه البلدة عشية أمس على غير هذه الصفة ، ثم قال : إن تعجيل الخروج من ههنا لأولى لى ، ثم عمد إلى