وقوله عزوجل (قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ما يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلَّا مِراءً ظاهِراً ، وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً) [الكهف : ٢٢]
فهذا إرشاد إلى أن الأحسن فى مثل هذا المقام رد العلم إلى الله تعالى ، إذ لا احتياج إلى الخوض فى مثل ذلك بلا علم ، لكن إذا اطلعنا على أمر قلنا به ، وإلّا وقفنا.
وقوله (ما يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ) أى من الناس ، فما تمار فيهم ، ولا تجادلهم إلا جدالا ظاهرا لا عمق فيه ، ولا تستفت فى شأنهم أحدا منهم ، ولا تقولن لأجل شىء تعزم على فعله إنى فاعله غدا ، لا تقولن ذلك فى حال من الأحوال ، إلا فى حال ملابسته بمشيئة الله تعالى على الوجه المعتاد ـ على معنى سأفعل ذلك غدا ـ إن شاء الله.
* وسؤال أخير : كم لبثوا فى كهفهم هذا؟
أجاب الحق سبحانه بقوله : (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً) [الكهف : ٢٥] أى أنهم لبثوا فى كهفهم ، منذ أرقدهم الله إلى أن بعثهم أحياء ، وأعثر عليهم أهل ذلك الزمان أعواما مقدارها (ثلاثمائة سنة) تزيد (تسع سنين) بالهلالية ـ أى القمرية ، وهى ثلاثمائة بالشمسية ، فإن تفاوت ما بين كل مائة سنة بالقمرية إلى الشمسية ثلاث سنين ، فلهذا قال سبحانه بعد الثلثمائة (وَازْدَادُوا تِسْعاً) ـ ثم قال سبحانه : (قُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا) أى إذا سئلت عن لبثهم وليس عندك علم فى ذلك وتوقيف من الله تعالى ، فلا تتقدم فيه بشىء ، بل قل فى مثل هذا (اللهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا ـ لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أى لا يعلم ذلك إلّا هو أو من أطلعه عليه من خلقه.
* فهذه قصة فريدة من نوعها فى التاريخ ، أراد القرآن منها تجسيد التجربة الإيمانية فى الفتية ، الذين فروا بإيمانهم إلى الكهف ، ولبثوا فيه مئات السنين ،