وكانوا دليل التجربة للآخرين ـ إذ بعثهم الله من مرقدهم على خلاف العادة ، والطبيعة الإنسانية ، فلم يسبق أن نهض أحد من مرقده بعد سنوات معدودات ، فكيف بمئات السنين ، ليؤكد الحق سبحانه قضية البعث والنشور.
إن الباحث المتأمل فى كتاب الله الكريم ـ يجد لهذه القصة المثيرة مشاهد تذكر وكأنها ترى وكأن الإنسان يعاين وقائعها ، فى أسلوب قرآنى قصصى ، تؤخذ منه مغزى القصة فى غير التباس ولا ارتياب.
* المشهد الأول : إيواء فتية آمنوا بربهم ، وزادهم الله تعالى هدى ، وقد فروا من الوثنية إلى الوحدانية ، ومن الوثنيين إلى جوار ربهم ، وقد ربط الله على قلوبهم ، فاستمسكوا بإيمانهم ، واعتصموا بربهم ، وكان الإيمان قد سكن وعاء القلوب ، فربط الله تعالى بالصبر حتى لا يخرج من وعائه الذى استقر فيه ، واطمأن ، فلا يتشعع أمام أى حادث ، وإن الإيمان إذا سكن ، واطمأنوا ، كانت رحمة الله تعالى أن ضرب على آذانهم ، بمعنى أنه خيّم عليها ، فأصبحت لا تسمع لغو الحديث ، وإنهم إذ آووا إلى الكهف ، قطعهم الله تعالى عن لغو الوثنية ، وظلم أهلها ، فاجتمع لهم الإنزواء عن الناس ، والبعد عنهم بالحسّ ، فلا يرون الناس ، ولا يسمعون عنهم ، وصاروا فى غيبوبة كأنهم الموتى ، وليسوا أمواتا ، قال فيهم الحق سبحانه : (وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ.) وكل ذلك فى تصوير قصصى ، كأن التالى للقرآن يراهم ، وهم يهرعون إلى الكهف ، يأوون راجين الرحمة والرشاد ، مبتعدين عن الآثام ، وما فى الدنيا ، وقد زادهم الله تعالى فجعلهم رقودا.
وهنا نجد الصورة واضحة .. أن أناسا يظن أنهم أيقاظ ، وهم رقود ، وقد بقوا على ذلك سنين عددا تجاوزت الثلاثمائة .. هذا عن المشهد الأول.