(هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ) [الحج : ٧٨]
هذه الصورة الواضحة لشخصية محمد كإنسان وكرسول يحمل رسالة من عند الله ، تزداد وضوحا فى الصراع الذى صوره القرآن بينه ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وبين الكافرين والمشركين والمنافقين. هذا الصراع الذى وضح فيه جانب التشكيك .. إما بالكذب ، أو بمحاولة التعجيز ، أو التنكر لإنسانيته ، تمهيدا للتنكر لرسالته.
لقد بلغ العجب بأهل مكة أنهم يفكرون فى فرض اختيارهم على الله ، حتى أنهم ليتساءلون ـ لماذا لم ينزل القرآن على رجل عظيم؟. فأجابهم القرآن ، وهو يصور هذه الوضعية. ويعرف بمكانته صلىاللهعليهوسلم. (بَلْ مَتَّعْتُ هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ حَتَّى جاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُبِينٌ. وَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ قالُوا هذا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كافِرُونَ. وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ. أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ؟) [الزخرف : ٢٩ ـ ٣٢]
ففى سياق الاحتجاج عليهم بأنهم لا يقسمون رحمة الله ، وليس من حقهم أن يختاروا على الله أين يضع رسالته ، يعرّف محمدا بأنه (رَسُولٌ مُبِينٌ) ، وليس من عظماء مكة أو الطائف ، كما يعرفون هم العظماء.
* والمكيون ـ كما سجل القرآن ، كانوا شديدى العداوة لدين محمد ، وشديدى الجدل الذى يبعد كثيرا عن المنطق ، وفى هاته الصورة التى يحكيها القرآن عنهم ، وعن مجابهتهم ، والفكرة التى يتصورونها عن النبوة .. بل الإغراق فى الجدل ، ومحاولة التعجيز .. فى هذه الصورة ما ينبىء بما كان النبى يلقاه منهم حينما كانوا يريدون أن يخرجوه عن طبيعته ، فلا يريدون أن يقبلوا منه دعوة رسول ، ولكن يريدون أن يروه فى صورة أخرى لا تستند إلى الطبيعة البشرية :