الصغير ، يجسّم له بعض الصور من خلال تعبير ، وإنها لصور ساذجة ، ولكنها كانت تشوّق نفسه ، وتلذّ حسّه ، فيظل حقبة غير قصيرة يتملاها ، وهو بها فرح ، ولها نشيط.
وضرب الشيخ سيد قطب ـ على الصور الساذجة ـ أمثلة عدة ، كانت ترتسم فى خياله كلما قرأ شيئا من القرآن. ومن تلك الأمثلة ، قوله تعالى :
(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ ، فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ ، وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ ، خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ) [الحج : ١١]
قال : (كان يشخص فى مخيلتى رجل قائم على حافة مكان مرتفع ـ مصطبة ، فقد كنت فى القرية ، أو قمة تل ضيقة ، فقد رأيت التل المجاور للوادى ، وهو قائم يصلى ، ولكنه لا يملك موقفه ، فهو يتأرجح فى كل حركة ، ويهمّ بالسقوط ، وأنا بإزائه أتتبع حركاته ، فى لذة وشغف عجيبين) (١).
«تلك أيام .. ولقد مضت بذكرياتها الحلوة ، وبخيالاتها الساذجة ، ثم تلتها أيام ، ودخلت المعاهد العلمية ، فقرأت تفسير القرآن فى كتب التفسير ، وسمعت تفسيره من الأساتذة ، ولكننى لم أجد فيما أقرأ ، أو أسمع ، ذلك القرآن اللذيذ الجميل ، الذى كنت أجده فى الطفولة والصبا».
«وا أسفاه ، لقد طمست كل معالم الجمال فيه ، وخلا من اللذة والتشويق ، ترى هل هما قرآنان؟ قرآن الطفولة العذب ، الميسّر المشوق ، وقرآن الشباب العسر المعقد الممزّق؟ .. أم تلك جناية الطريقة المتبعة فى التفسير.
«وعدت إلى القرآن أقرؤه فى المصحف ، لا فى كتب التفسير ، وعدت أجد قرآنى الجميل ، الحبيب ، وأجد صورى المشوقة اللذيذة ، إنها ليست فى
__________________
(١) التصوير الفنى فى القرآن ص ٧ (الطبعة الثانية)