ويجوز أن ينصب (يَوْمَ) على الظرف ويرفع محله خبرا ، مبتدؤه (قَوْلُهُ الْحَقُّ) نعته أو (قَوْلُهُ) مبتدأ ، خبره (الْحَقُّ)(١) ، والمراد من اليوم الوقت ومن القول الحكم الثابت النافذ بالحكمة (٢) ، المعنى ، أنه يقول في ذلك الوقت للخلائق موتوا فيموتون ، وقوموا فيقومون للحساب والجزاء لا للعبث (٣)(وَلَهُ الْمُلْكُ) أي لله وحده ملك كل شيء لا مالك سواه (يَوْمَ يُنْفَخُ) أي في يوم ينفخ إسرافيل الأرواح (فِي الصُّورِ) وهو قرن ينفخ فيه كهيئة البوق ، قال عليهالسلام : «كيف أنعم وصاحب الصور قد التقمه» (٤) ، «ينتظر متى يؤمر فينفخ فيه» (٥) ، قوله (عالِمُ الْغَيْبِ) رفع خبر مبتدأ محذوف ، أي هو عالم ما غاب عن العباد (وَالشَّهادَةِ) أي وعالم به العباد ، وقيل : عالم بأمر الآخرة وأمر الدنيا (٦)(وَهُوَ الْحَكِيمُ) في أمره وصنعه (الْخَبِيرُ) [٧٣] أي العليم بأعمال الخلائق وأقوالهم ونياتهم وأمر البعث للحساب والجزاء.
(وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً إِنِّي أَراكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٧٤))
قوله (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ) تحريض للنبي عليهالسلام على تذكير قومه اتباعا لإبراهيم عليهالسلام حيث ذكر إياه الكافر ليؤمن بالله تعالى ، أي واذكر وقت قول إبراهيم لأبيه اسمه آزر ، وهو عطف بيان ل «أبيه» ولم ينصرف للعجمة والتعريف (أَتَتَّخِذُ) بالاستفهام الإنكاري ، أي أتعبد (أَصْناماً) حال كونها (آلِهَةً) ويجوز أن يكون (أَصْناماً) مفعولا أولا و (آلِهَةً) مفعولا ثانيا ل (تَتَّخِذُ) بمعنى أتجعل الأصنام آلهة لك للعباد (إِنِّي أَراكَ وَقَوْمَكَ) الذين اتبعوك (فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) [٧٤] أي في خطأ ظاهر بعبادتكم الأصنام.
(وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (٧٥))
ثم قال تعالى (وَكَذلِكَ) أي ومثل ما بصرناه ضلالة أبيه وقومه (نُرِي إِبْراهِيمَ) أي نبصره (مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي خلقهما الدال على ربوبيتنا ووحدانيتنا وقدرتنا ، يعني نهديه طرائق (٧) الإستدلال ليستدل على معرفتها (٨)(وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ) [٧٥] أي الثابتين على اليقين في التوحيد ، روي : «أن إبراهيم رفع إلى السماء فرأى جميع السموات والأرض وما فيهما من العجائب حتى العرش وما تحت الصخرة ، فرأى عبدا يزني في الأرض فدعا عليه فهلك ثم آخر فدعا عليه فهلك ثم آخر فدعا عليه فهلك فقال تعالى : أنزلوا عبدي فانه مستجاب الدعوة كيلا يهلك عبادي بدعائه» (٩).
(فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ (٧٦))
قوله (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ) عطف على قوله (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ) الآية وما بينهما اعتراض ، أي فلما ستره الليل بظلمته وكان ذلك بعد خروجه من الغار ونظره إلى السماء والأرض ، فقال : إن لهذه الأشياء خالقا خلقها وخلقني وكان قومه يعبدون الكواكب والشمس والقمر (رَأى كَوْكَباً) وهو الزهرة المضيئة ، قرئ «رأى» ونحوه بفتح الراء والهمزة وبامالتهما ، وبفتح الراء وإمالة الهمزة ، وبكسر الراء وفتح الهمزة (١٠)(قالَ هذا رَبِّي) مسمعا لقومه قول من ينصف خصمه مع علمه أنه مبطل ، لأن ذلك أدعى إلى الحق منبها لهم على الخطأ في دينهم ومرشدا إلى طريق النظر والاستدلال على عدم ربوبية الكواكب (١١) ، لأنهم إذا نظروا النظر الصحيح أدركوا أن شيئا من الكواكب لا يصلح أن يكون ربا لقيام دليل الحدوث عليه وهو التغير والانتقال فيرجعوا عن
__________________
(١) أو «قوله» مبتدأ خبره «الحق» ، ب م : ـ س.
(٢) بالحكمة ، ب س : بالحكم ، م.
(٣) للعبث ، ب س : للبعث ، م.
(٤) أخرجه أحمد بن حنبل ، ١ / ٣٢٦ ، ٣ / ٧٣. ؛ والترمذي ، صفة القيامة ، ٨ ؛ وأينظر أيضا السمرقندي ، ١ / ٤٩٤.
(٥) رواه أحمد بن حنبل ، ٣ / ٧٣ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ١ / ٤٩٤.
(٦) نقل المؤلف هذا المعنى عن السمرقندي ، ١ / ٤٩٤.
(٧) طرائق ، س م : طريق ، س.
(٨) معرفتها ، ب س : معرفتنا ، م.
(٩) عن عطاء ، انظر السمرقندي ، ١ / ٤٩٥ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٢ / ٣٧٩.
(١٠) أخذ هذه القراءة عن البغوي ، ٢ / ٣٨٢.
(١١) الكواكب ، س م : الكواكب ، ب.