وكانت بضاعتهم النعال والأدم (لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَها) أي بضاعتهم ، يعني يعلمون كرامتي عليهم باعطاء البدلين ، وقيل : إنه رأى أخذ الثمن للطعام من أبيه وإخوته لوما ، فرده عليهم من حيث لا يعلمون تكرما ليعرفوا حق ردها (١)(إِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمْ) أي إلى أبيهم (٢) بكنعان (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [٦٢] أي لعل معرفتهم بذلك تدعوهم إلى الرجوع إلينا وليعلموا أن طلبنا عودهم ، لم يكن لأجل الثمن أو لأنهم لا يستحلون أكله إذا رأوا الثمن ، لأنهم أنبياء فيرجعون إليه.
(فَلَمَّا رَجَعُوا إِلى أَبِيهِمْ قالُوا يا أَبانا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنا أَخانا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (٦٣))
(فَلَمَّا رَجَعُوا إِلى أَبِيهِمْ قالُوا يا أَبانا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ) أي يمنع في المستقبل إن لم نحمل أخانا إليه وذكروا إحسانه ، وإنه ارتهن شمعون لأجله (فَأَرْسِلْ مَعَنا أَخانا) بنيامين (نَكْتَلْ) بالنون ، أي نرفع المانع من الكيل فنشتري من الطعام بالكيل بسببه ، وبالياء (٣) ، أي يكتل هو يعني بنيامين ، لأنهم كانوا لا يبيعون من كل رجل إلا وقرا واحدا (وَإِنَّا لَهُ) أي لأخينا (لَحافِظُونَ) [٦٣] من الضيعة حتى نرده إليك.
(قالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاَّ كَما أَمِنْتُكُمْ عَلى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللهُ خَيْرٌ حافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (٦٤))
(قالَ) أبوهم يعقوب (هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ) أي ما آمنكم بقولكم وإنا له لحافظون (٤) على بنيامين (إِلَّا كَما أَمِنْتُكُمْ عَلى أَخِيهِ) يوسف (مِنْ قَبْلُ) أي قبل هذا الزمان بمثل ذلك القول (٥) ، يعني كيف آمنكم عليه وقد فعلتم بيوسف ما فعلتم بعد أن أخذت عليكم من العهد الوثيق من قبل ، فلو لم يحفظه الله تعالى لا ينفع حفظكم ولا حفظي ، ثم قال (فَاللهُ خَيْرٌ حافِظاً) بالألف نصب على التفسير والتمييز كما يقال هو خير رجلا أو حال ، وبغير الألف (٦) ، يعني «حفظا» تمييز أيضا ، والمراد أن حفظ الله تعالى خير من حفظكم (وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) [٦٤] يرحمه بالحفظ من الضيعة كما حفظه من المجاعة ويرده إلى ولا يجمع على مصيبتين.
(وَلَمَّا فَتَحُوا مَتاعَهُمْ وَجَدُوا بِضاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قالُوا يا أَبانا ما نَبْغِي هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا وَنَمِيرُ أَهْلَنا وَنَحْفَظُ أَخانا وَنَزْدادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ (٦٥))
(وَلَمَّا فَتَحُوا مَتاعَهُمْ) الذي حملوه من مصر (وَجَدُوا بِضاعَتَهُمْ) أي ثمن الطعام في جواليقهم (رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قالُوا) لأبيهم (يا أَبانا ما نَبْغِي) «ما» نفي لتزايد الكلام في وصف الملك بالإحسان إليهم كذبا ، أي ما نتزايد القول فيما وصفنا من إحسانه إلينا أو استفهام ، أي ما ذا نطلب بالكلام الذي أخبرناك به من إحسانه إلينا دليلا أكثر من رده البضاعة إلينا لم نقل ذلك تمد حاله ، ثم استأنفوا لتوضيح ما نبغي بقولهم (هذِهِ بِضاعَتُنا) أي ثمننا الذي أعطيناه (رُدَّتْ إِلَيْنا) فنستظهر بها (وَنَمِيرُ) عطف على المقدر أو على (ما نَبْغِي) ، أي لا نبغي على ما نقول ونأتي بالميرة ، وهي الطعام من بلد إلى بلد أو هو كلام مبتدأ ، أي نبغي أن نمير (أَهْلَنا) ليكون قوتا لهم من المجاعة فابعثه معنا (وَنَحْفَظُ أَخانا) في الذهاب والمجيء من الضيعة بقدر قوتنا لكي نحمل الطعام لأهلنا بسببه (وَنَزْدادُ كَيْلَ بَعِيرٍ) أي حمل بعير من أجله على عادتهم (ذلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ) [٦٥] أي حمل بعير شيء قليل على الملك لا يحبس ولدك بسببه إن أرسلته معنا.
(قالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلاَّ أَنْ يُحاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قالَ اللهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ (٦٦))
(قالَ) لهم يعقوب (لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ) أي تعطوني (مَوْثِقاً) أي عهدا وثيقا بالقسم (مِنَ اللهِ)
__________________
(١) أخذه عن البغوي ، ٣ / ٣٠٠.
(٢) أي إلى أبيهم ، م : ـ ب س.
(٣) «نكتل» : قرأ الأخوان وخلف بالياء التحتية ، والباقون بالنون. البدور الزاهرة ، ١٦٥.
(٤) ما آمنكم بقولكم وإنا له لحافظون ، ب س : ـ م.
(٥) بمثل ذلك القول ، ب س : ـ م.
(٦) «حافظا» : قرأ حفص والأخوان وخلف بفتح الحاء وألف بعد الحاء وكسر الفاء ، والباقون بكسر الحاء وإسكان الفاء. البدور الزاهرة ، ١٦٥.