ادخلوها آمنين سالمين من الخوف ، لأنها أرض الجبابرة أو من الجوع أو من الجواز ، لأنهم كانوا لا يدخلون مصر قبلهم إلا بجواز من ملوكهم ، وقيل : (إِنْ) بمعنى إذ يريد : إذ شاء الله (١) ، فعلى هذا لا يكون استثناء.
(وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً وَقالَ يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِما يَشاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (١٠٠))
(وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ) أي على السرير أجلس أباه عن يمينه وأمه عن شماله ، والرفع هو النقل إلى العلو (وَخَرُّوا) أي سقطوا (لَهُ) أي لأجل يوسف على الأرض (سُجَّداً) نصبه حال مقدرة من ضمير (خَرُّوا) ، لأن السجود بعد الخرور يكون ، يعني سجد له إخوته وأبوه وأمه أو خالته بوضع الجباه على الأرض على طريق التحية والتعظيم لا على طريق العبادة ، وكان ذلك جائزا في الأمم السالفة ، فنسخت في هذه الشريعة ، وقيل : هو الانحناء والتواضع البليغ (٢) ، وقيل : سجدوا على وجوههم شكرا لله تعالى لأجل اجتماعهم بيوسف (٣) ، فاتفق أنه كان في ناحية القبلة ويرد هذا القول لفظة (لَهُ) ، لأن الضمير ليوسف (وَقالَ) يوسف عند ذلك (يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ) قال الحسن البصري رضي الله عنه : «قد كان يوسف حين رآها ابن سبع سنين فظهر تأويلها على رأس أربعين سنة» (٤) ، وقيل : ثمانون سنة وإليه ينتهي الرؤيا (٥)(قَدْ جَعَلَها) أي رؤياي (رَبِّي حَقًّا) أي صدقا أو كائنا لا شك فيه ، وهو مصدر أو صفة مصدر ، أي جعلا حقا (وَقَدْ أَحْسَنَ بِي) أي أنعم على صنعه (إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ) ولم يقل «من الجب» مع كونه أشد من السجن استعمالا للكرم كيلا تخجل إخوته بعد ما قال «لا تثريب عليكم اليوم» ، ولأن نعمة الله عليه في إخراجه من السجن أعظم ، لأنه بعد الجب صار رقيقا وبعد السجن صار ملكا ، ولأن وقوعه في الجب كان بحسد إخوته ، وفي السجن كان مكافاة من الله لزلة (٦) صدرت منه (وَجاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ) أي البادية ، لأنهم كانوا أصحاب ماشية ، والبدو في الأصل بسيط (٧) الأرض يسكنه أهل العمد والمواشي (مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ) أي أفسد بالحسد وألقى العداوة (بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ) في فعاله (لِما يَشاءُ) أي بمن (٨) يشاء أو لطيف في فعله بالحكمة إن شاء فرق وإن شاء جمع (إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ) بأعمال خلقه (الْحَكِيمُ) [١٠٠] في أمره حيث فرق بيني وبين أبي وإخوتي ، ثم رد على أبي وجمع بيني وبين إخوتي سالمين معافين من أرض كنعان إلى أرض مصر.
قيل : أقام يعقوب بمصر عند يوسف أربعا وعشرين سنة في أهناء عيش وأحسن حال ، ثم مات بمصر ، وقد وصى إلى ابنه يوسف أن يحمله ويدفنه عند أبيه إسحق ، ففعل يوسف ذلك ومضى به حتى دفنه بالشام ، ثم انصرف إلى مصر ، فلما جمع الله تعالى ليوسف شمله علم أن نعيم الدنيا لا يدوم (٩).
(رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (١٠١))
سأل الله تعالى الموت بحسن العاقبة فقال (رَبِّ) أي يا خالقي ومنعمي (قَدْ آتَيْتَنِي) أي أعطيتني (مِنَ الْمُلْكِ) أي بعض الملك وهو ملك مصر (وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ) أي بعضه أو (مِنَ) للبيان ، أي تعبير الرؤيا (فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) نصب بحرف النداء المحذوف (١٠) ، أي يا خالقهما لا شريك لك في خلقهما أو
__________________
(١) هذا الرأي مأخوذ عن البغوي ، ٣ / ٣٢٧.
(٢) أخذه عن البغوي ، ٣ / ٣٢٧.
(٣) ولم أجد له أصلا في المصادر التي راجعتها.
(٤) انظر البغوي ، ٣ / ٣٢٩.
(٥) ولم أجد له أصلا في المصادر التي راجعتها.
(٦) لزلة ، ب م : للزلة ، س.
(٧) بسيط ، ب س : بسط ، م.
(٨) بمن ، ب س : من ، م.
(٩) نقله المفسر عن الكشاف ، ٣ / ٩٥.
(١٠) نصب بحرف النداء المحذوف ، ب س : ـ م.