نصب على الوصف لرب المنادي (١)(أَنْتَ وَلِيِّي) أي معيني ومتولي أموري (فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً) أي اقبضني إليك مخلصا بتوحيدك (وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) [١٠١] أي بآبائي المرسلين.
قيل : «ما تمنى الموت نبي قبله ولا بعده إلا هو» (٢) ، لأنه لما تم أمره في ملكه الزائل ووصال أبيه وأهله اشتاق إلى ربه وطلب الملك الدائم الذي لا يزول ولما قال هذا القول لم يمض عليه أسبوع حتى توفي.
روي : أنه عاش بعد لقاء أبيه يعقوب ستين سنة (٣) ، وقيل : ثلاثا وعشرين سنة (٤) ، وتوفي وهو ابن مائة وعشر سنين (٥) هكذا في التورية (٦) ، ودفنوه وسط النيل في صندوق من رخام ، لأن المصريين من جانبي النيل ، تشاحون في مدفنه حتى كادوا أن يقتتلوا ثم تصالحوا على أن يدفن سنة في جانب مصر وأن يدفن سنة في جانب آخر من البدويين ، فدفن في الجانب المصري فأخصب ذلك الجانب وأجدب الجانب الآخر من البدويين ، ثم نقل إلى الحانب البدوي فأخصب ذلك الجانب وأجدب الجانب الآخر المصري ، ثم اتفقوا على دفنه في وسطه وقد قدروا ذلك بسلسلة فأخصب الحانبان ، وبقي فيه إلى أن جاء موسى عليهالسلام ، وأخرجه فدفنه بقرب آبائه بالشام (٧).
(ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ (١٠٢))
ثم قال تعالى (ذلِكَ) أي نبأ يوسف وإخوته (مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ) أي من أخبار ما غاب عنك علمه يا محمد (نُوحِيهِ إِلَيْكَ) يجبرائيل ، لأنك لم تحضره ولا قرأته من كتاب وقد أخبرت به لهم (٨) كما جرى في الواقع ، فاذا أنكروه صار ذلك تهكما بهم (٩)(وَما كُنْتَ) يا محمد (لَدَيْهِمْ) أي عند أولاد يعقوب (إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ) أي حين عزموا يالاتفاق على إلقاء يوسف في الجب (١٠)(وَهُمْ يَمْكُرُونَ) [١٠٢] أي يحتالون ويبغون الغوائل ليوسف.
(وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (١٠٣) وَما تَسْئَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (١٠٤))
(وَما أَكْثَرُ النَّاسِ) أي لا يكون أكثر (١١) أهل مكة ، وقيل : عام لقريش وغيرهم (١٢)(وَلَوْ حَرَصْتَ) على إيمانهم (بِمُؤْمِنِينَ) [١٠٣] بك.
روي : أن قريشا واليهود سألوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن قصة يوسف ، فلما أخبرهم على ما وافق التورية لم يؤمنوا فاغتم النبي عليهالسلام بذلك ، فقال تعالى : إنهم لا يؤمنون بك ولو كنت حريصا على أن يؤمنوا بك بالمبالغة في طلب الإيمان منهم لتصممهم على الكفر أو لتقديري الكفر عليهم في علمي السابق (١٣).
(وَما تَسْئَلُهُمْ عَلَيْهِ) أي على الإيمان والإرشاد أو على تبليغ الرسالة إليهم (مِنْ أَجْرٍ) أي جعلا (إِنْ هُوَ) أي ما هو القرآن المرشد (إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ) [١٠٤] أي عظة وتذكير للجن والإنس.
(وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ (١٠٥))
(وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ) أي وكم من علامة للتوحيد (فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) من الشمس والقمر والنجوم ومن الجبال والبحار والأشجار والأناسي والدواب وغير ذلك من الأشياء الدالة على الوحدانية والخالقية في أسفارهم حال كونهم (يَمُرُّونَ عَلَيْها) ويشاهدونها (وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ) [١٠٥] لا يتفكرون فيها ولا يعتبرون بها.
__________________
(١) المنادي ، ب س : ـ م.
(٢) عن قتادة ، انظر البغوي ، ٣ / ٣٢٩.
(٣) وهذا منقول عن البغوي ، ٣ / ٣٢٩.
(٤) أخذه عن السمرقندي ، ٢ / ١٧٨ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٣ / ٣٢٩.
(٥) نقله المؤلف عن السمرقندي ، ٢ / ١٧٨.
(٦) أخذه المفسر عن البغوي ، ٣ / ٣٢٩. وقد ذكر قصة يوسف عليهالسلام في التورية مفصلة ومطولة ، انظر تكوين ، من الباب السابع وثلاثين إلى آخر تكوين.
(٧) اختصره من البغوي ، ٣ / ٣٢٩ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٢ / ١٧٨.
(٨) لهم ، س : ـ ب م.
(٩) فاذا أنكروه صار ذلك تهكما بهم ، ب س : ـ م.
(١٠) في الجب ، ب س : ـ م.
(١١) لا يكون أكثر ، ب س : ـ م.
(١٢) أخذه عن الكشاف ، ٣ / ٩٦.
(١٣) اختصره المصنف من البغوي ، ٣ / ٣٣٠.