للمسر بالقول والجاهر به ، والمسخفي بالليل والسارب بالنهار (مُعَقِّباتٌ) أي حفظة من الملائكة يعقب بعضها بعضا في الليل والنهار ، يعني إذا مضى فريق يخلفه بعده فريق آخر ، جمع معقبة ، والتاء فيه للمبالغة كعلامة لا للتأنيث أو الضمير في (لَهُ) لله ، أي لله ملائكة يتعاقبون بالليل والنهار ، فاذا صعدت ملائكة الليل جاء في عقبها ملائكة النهار وبالعكس ، والظاهر الأول ، يعني له من الله ملائكة يتعاقبون فيه (مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ) أي من قدام هذا المستخفي (١) بالليل والسارب بالنهار ومن وراء ظهره (يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ) أي بأمره وإذنه من الذنب أو من نقمته إذا أذنب فيستمهلون الله له رجاء أن يتوب (٢) ، ف (مِنْ) بمعنى الباء أو من بأسه ونوازله المقدرة له عند الموت ، وفي القبر وفي البعث أو من شر الجن والإنس ما لم يجئ القدر ، فاذا جاء القدر خلوا عنه ، قال كعب الأحبار : «لو لا أن الله وكل بكم ملائكة يذبون عنكم في مطعمكم ومشربكم وعوراتكم لتخطفكم الجن» (٣) أو (مِنْ) بمعنى لأجل ، أي لأجل ما أمرهم به من حفظه أو (مِنْ) بمعنى على ، أي يحفظونه على ما أمرهم الله تعالى حفظه ، فحينئذ يكون هذه الآية في الملكين القاعدين عن اليمين والشمال يكتبان الحسنات والسيئات ، ومعنى (يَحْفَظُونَهُ) أنهم يحفظون عليه من أمر الله ، يعني الحسنات والسيئات ، وقيل : الهاء في (لَهُ) لرسول الله عليهالسلام (٤) ، أي لمحمد حراس من الرحمن من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله ، يعني من شر الجن والإنس وطوارق الليل والنهار ، قال ابن عباس رضي الله عنه : «نزل حين أراد الكفار كعامر بن الطفيل وأربد بن ربيعة الفتك بالنبي عليهالسلام ، فان عامرا قال لصاحبه أربد : إذا رأيتني أكلمه فدر من خلفه واضربه بالسيف ، فجعل عامر يخاصم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ويراجعه في الكلام ويقول أسلم على أن المدر لك والوبر لي ، فقال عليهالسلام : لك ما للمسلمين وعليك ما عليهم ، ثم قال : لك الوبر ولي المدر ، فأجابه مثل ذلك ، ثم قال : ولي الأمر من بعدك ، فأجابه مثل ذلك ، فغضب عامر عليه ، فدار أربد من خلف النبي عليهالسلام ليضربه بالسيف ، فأخرج من سيفه شبرا ، ثم حبسه الله تعالى ، فلم يقدر على سله ، وكان عامر يومي إليه ، فالتفت رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فرأى أربد وما يصنع بسيفه ، فقال عليهالسلام : اللهم اكفنيهما بما شئت ، فأرسل الله أربد بالصاعقة في يوم صحو فأحرقته ، وأرسل الله ملكا فلطم عامرا بجناحه فأداره في التراب ، وخرجت في ركبته في الوقت غدة كغدة البعير ، فذهب إلى بيت امرأة سلولية ولم ترض أن يموت عندها ، فدعا عامر بفرسه فركبه ، ثم أجراه حتى مات على ظهره» (٥) ، فأجاب الله دعاء الرسول عليهماالسلام ، ثم أكد حفظ الله عباده بقوله (إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ) أي لا يبدل حال قوم من نعمة أنعمهما عليهم (حَتَّى يُغَيِّرُوا) أي يبدلوا (ما بِأَنْفُسِهِمْ) من الحالة الجميلة بالمعصية وترك الشكر (وَإِذا أَرادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً) أي عذابا وهلاكا (فَلا مَرَدَّ لَهُ) أي لا يرده شيء (وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ) أي ليس لقوم أراد تعالى هلاكهم من دون الله (مِنْ والٍ) [١١] أي ملجأ يلجؤون إليه أو من يلي أمرهم من أقربائهم ويمنع العذاب عنهم.
(هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ (١٢))
(هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً) من الصاعقة وخراب البيوت والأشجار (وَطَمَعاً) أي للمقيم والمسافر في نفع المطر ، وقيل : الخوف من المطر في غير مكانه والطمع إذا كان في مكانه (٦) ، قيل : من البلدان إذا أمطروا قحطوا وإذا لم يمطروا أخصبوا (٧) ، والمنصوبان مفعول لهما ، أي إخافة وإطماعا أو حالان من المخاطبين ، أي خائفين وطامعين (وَيُنْشِئُ) عطف على (يُرِيكُمُ) ، أي الله يبدئ (السَّحابَ الثِّقالَ) [١٢] بالمطر ، جمع سحابة ، قال على رضي الله عنه : «السحاب غربال الماء» (٨).
__________________
(١) المستخفي ، ب م : المستخف ، س.
(٢) أن يتوب ، ب م : أن يتوبوا ، س.
(٣) انظر البغوي ، ٣ / ٣٤١.
(٤) أخذه المؤلف عن البغوي ، ٣ / ٣٤١.
(٥) انظر الواحدي ، ٢٢٩ ـ ٢٣٠ ؛ والبغوي ، ٣ / ٣٤٢ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٢ / ١٨٨. وقيل ، + ب.
(٦) أخذه المؤلف عن البغوي ، ٣ / ٣٤٣.
(٧) نقله عن البغوي ، ٣ / ٣٤٣.
(٨) انظر البغوي ، ٣ / ٣٤٣.