فهذا مثل ضربه الله تعالى للمشرك الذي عبد مع الله إلها آخر لا ينفعه إذا دعاه إلى حاجته (١)(وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ) أصنامهم (إِلَّا فِي ضَلالٍ) [١٤] أي في هلاك ، لأنه يضل عنهم إذا احتاجوا إليه في الآخرة أو وما دعاء الكافرين ربهم إلا في ضلال يفوت عنهم ، لأن أصواتهم محجوبة عن الله تعالى.
(وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ (١٥))
(وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي الملائكة والمؤمنون (طَوْعاً) أي طائعين (وَكَرْهاً) أي كارهين ، وهم المنافقون ومن أكره على السجود من الكفار بالسيف أو المراد أنهم ينقادون لأحداث ما أراده فيهم من أفعاله شاؤا أو أبوا ، يعني لا يقدرون أن يمتنعوا عن ذلك ، فالسجود بمعنى الخضوع والانقياد (وَظِلالُهُمْ) عطف على (مَنْ) ، أي ولله يسجد ظلال الساجدين أيضا طوعا وكرها أو يسجد ظل المؤمن والكافر طوعا وهو كاره السجود له تعالى ، وقيل : سجود الظلال تنقلها من جانب إلى جانب (٢) ، وأراد بذلك تذليله لما يشاؤه من الفيء والزوال والامتداد وضده (بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ) [١٥] أي بالبكر والعشايا ، يعني إذا سجدوا بالغدو والعشي يسجد معهم ظلالهم ، والآصال جمع أصل وهو جمع أصيل وهو ما بين العصر وغروب الشمس.
(قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (١٦))
(قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي قل يا محمد للمشركين بالاستفهام للإنكار من خالقهما ومدبرهما ، فان لم يعترفوا فأنت (قُلِ اللهُ) ربهما ، وقيل : هم قالوا أجب أنت يا محمد فأمره الله تعالى فقال : قل الله فاعترفوا بأن ربهما الله (٣) ، ثم قال لهم إلزاما للحجة (قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ) أي أعلمتم أن الله ربهما فبعده آثرتم عليه (مِنْ دُونِهِ) أي من دون الله (أَوْلِياءَ) أي أصناما تعبدونها (لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرًّا) فكيف يملكون لكم ، فكيف يتخذ وليا ويعبد من لا يملك لنفسه ولا لغيره شيئا من النفع والضر (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ) أي الجاهل والعالم أو الكافر والمؤمن (أَمْ هَلْ تَسْتَوِي) بالتاء والياء (٤)(الظُّلُماتُ وَالنُّورُ) أي الكفر والإيمان ، يعني كما لا يستوي الأعمى والبصير في الحس لا يستوي المؤمن والكافر ، وكما لا يستوي الظلمات والنور كذلك لا يستوي الكفر والإيمان ، و (هَلْ) فيه للإنكار و (أَمْ) بمعنى بل (٥) ، والهمزة للإنكار في قوله (أَمْ جَعَلُوا) والميم صلة أو (أَمْ) بمعنى بل مع الإنكار ، أي لم يتخذوا (لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا) أي آلهة يخلقون شيئا (كَخَلْقِهِ) أي يشبه خلق الله (فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ) أي فاشتبه عليهم ما خلقوه بما خلقه الله عزوجل ، فلا يدرون ما خلق الله وما خلق آلهتهم ، واعتقدوا أن آلهتهم قدروا على الخلق كما قدر الله عليه فاستحقوا العبادة فاتخذوهم له شركاء في العبادة ، فاذا علموا أن آلهتهم عجزة عن الخلق فكيف يعبدونهم كما يعبدون (٦) الله ، ولم يفرقوا بين الخالق وغير الخالق (قُلِ اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) بلا شريك في خلقه فيعبد بلا شركة في العبادة (وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ) [١٦] أي الله الواحد الذي لا شريك له في الربوبية القهار الذي يغلب ما عداه بالإفناء ولا يغلبه أحد من خلقه.
(أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ (١٧))
ثم ضرب الله أيضا مثلين للحق والباطل تأكيدا بقوله (أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ) أي الله أنزل من السحاب (ماءً
__________________
(١) اختصره المؤلف من السمرقندي ، ٢ / ١٨٨ ؛ والبغوي ، ٣ / ٣٤٥.
(٢) لعله اختصره من السمرقندي ، ٢ / ١٨٩.
(٣) نقله عن البغوي ، ٣ / ٣٤٦.
(٤) «تستوي» : قرأ شعبة والأخوان وخلف بالياء التحتية ، والباقون بالتاء الفوقية. البدور الزاهرة ، ١٦٩.
(٥) وهل فيه للإنكار وأم بمعنى بل ، ب س : ـ م.
(٦) يعبدون ، س : يعبد ، ب م.