مصير المتقين من الشرك والمعصية (وَعُقْبَى) أي ومصير (الْكافِرِينَ النَّارُ) [٣٥] يعذبون فيها أبدا.
(وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُوا وَإِلَيْهِ مَآبِ (٣٦))
(وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ) أي أعطيناهم القرآن أو التورية ، وهم الصحابة أو المؤمنون كعبد الله بن سلام وأصحابه (يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) أي يعجبون بذكر الرحمن بسبب الآيات النازلة منه تعالى (وَمِنَ الْأَحْزابِ) الذين تحزبوا على رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالعداوة ككعب ابن الأشرف وأصحابه والسيد والعاقب (مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ) أي بعض القرآن ، لأنهم واقفوا في ذكر القصص وبعض الأحكام والمعاني مما هو ثابت في كتابهم غير محرف ، وينكرون نعت الإسلام ونعت النبي وما فيه نسخ شرائعهم مما حرفوه ، قيل : آمن اليهود بسورة يوسف وكفر مشركوا مكة بجميعه (١) ، فقال تعالى جوابا لمنكري القرآن (قُلْ) يا محمد (إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ) أي أقيم على توحيده (وَلا أُشْرِكَ بِهِ) شيئا وإنكاركم له إنكار لتوحيد الله وعبادته مع أنكم تدعون وجوب عبادة الله وأن لا يشرك به ، والجملة في محل النصب على الحال ، أي غير مشرك به (إِلَيْهِ أَدْعُوا) أي إلى الله أدعوا الخلق ، يعني إلى توحيده ودينه ولا أدعوهم إلى غيره أو إليه أدعو في جميع مهامي (وَإِلَيْهِ مَآبِ) [٣٦] أي مرجعي في كل حال وإن خالفتموني.
(وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ حُكْماً عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا واقٍ (٣٧))
(وَكَذلِكَ) أي مثل ما أنزلنا الكتب على الرسل بلغاتهم (أَنْزَلْناهُ) أي القرآن عليك بجبريل (حُكْماً عَرَبِيًّا) وهو نصب على الحال ، أي : والحال أنه حكم بلغة العرب لتحكم به بين الناس وتعرفهم شرائع الإسلام ، قيل : جاؤا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم يطلبون أن يوافقهم في الملة أو في القبلة فنزل (٢)(وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ ما جاءَكَ) أي بعد الذي نزل بك (مِنَ الْعِلْمِ) أن قبلتك نحو الكعبة أو بعد العلم بأنهم كفار (ما لَكَ مِنَ اللهِ) أي ليس لك حينئذ من عذابه (مِنْ وَلِيٍّ) أي قريب ينفعك أو ناصر ينصرك (وَلا واقٍ) [٣٧] أي حافظ يحفظك منه ، خاطب به النبي عليهالسلام وحرض السامعين من الناس ليتنبهوا به ويتمسكوا بالدين رغبا ورهبا ولا يتزلزلوا بعد الثبات بالحجة عند الشبهة.
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَذُرِّيَّةً وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ (٣٨))
قوله (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ) نزل حين اقترحوا على النبي عليهالسلام آية ظاهرة تدل على صدق نبوته وحين عيروه بكثرة الزوجات ، وقالوا : لو كان هذا نبيا لشغلته النبوة عن تزوج النساء (٣) ، فقال تعالى مجيبا عنهما لقد بعثنا أنبياء قبلك إلى الأمم المتقدمة (وَجَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَذُرِّيَّةً) من نسائهم وبناتهم وما جعلناهم ملائكة لا يأكلون ولا يشربون ولا ينكحون ، فان داود كان له مائة امرأة (٤) ، ولسليمان ثلثمائة امرأة (٥)(وَما كانَ لِرَسُولٍ) من الرسل قبلك (أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ) إلى قومه (إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) أي بأمره لا باختياره ورأيه ، لأنه عاجز عنه ولأن الشرائع مصالح تختلف باختلاف الأحوال والأوقات ، فلا يأتي بها إلا إذا جاء أجلها ، ثم بين ذلك بقوله
__________________
(١) ولم أجد له أصلا في المصادر التي راجعتها.
(٢) اختصره المؤلف من الكشاف ، ٣ / ١٠٩.
(٣) عن الكلبي ، انظر الواحدي ، ٢٣١ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٢ / ١٩٧ ؛ والبغوي ، ٣ / ٣٦١.
(٤) أخذه المفسر عن السمرقندي ، ٢ / ١٩٦.
(٥) عن الكلبي ، انظر السمرقندي ، ٢ / ١٩٦. وقد مر ذكره في أثناء تفسير قوله «أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً» ، رقم الآية (٥٤) من سورة النساء.