(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ (٢٨))
ثم قال الله تعالى لنبيه عليهالسلام توبيخا لكفار مكة باختيارهم الكفر مكان الشكر بمجيء محمد عليهالسلام رسولا يهديهم إلى الرشد (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ) أي شكرها (كُفْراً) حيث أسكنهم حرمه وأكرمهم بارسال محمد عليهالسلام والقرآن إليهم ، فكفروا نعمة الله بدل ما لزمهم من الشكر العظيم (وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ) [٢٨] أي أنزلوا من تابعهم على كفرهم دار الهلاك.
(جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَبِئْسَ الْقَرارُ (٢٩))
(جَهَنَّمَ) عطف بيان (يَصْلَوْنَها) أي يدخلونها يوم القيامة وهو نصب على الحال (وَبِئْسَ الْقَرارُ) [٢٩] أي المستقر جهنم ، وقيل : «هم كفار قريش نحروا يوم بدر» (١) لاستنصار العرب.
(وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ (٣٠))
(وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً) أي أمثالا ، يعني شركاء وليس لله شريك (لِيُضِلُّوا) بفتح الياء ، ليخطئوا الطريق ، وبضمها (٢) ، أي ليصرفوا الناس (عَنْ سَبِيلِهِ) أي عن الهدى واللام فيه لام العاقبة لا للغرض (قُلْ) يا محمد لهم تهديدا (تَمَتَّعُوا) أي عيشوا في الدنيا (فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ) [٣٠] يوم القيامة لتعذبوا لا إلى الجنة لتستريحوا.
(قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ (٣١))
(قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا) بالياء وفتحها ، وبتركها اكتفاء بالكسرة (٣) ، وجواب الأمر (يُقِيمُوا الصَّلاةَ) وهو يدل على المقول المقدر ، تقديره : قل لعبادي المؤمنين أقيموا الصلوة وأنفقوا يقيموها (وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً) أي إنفاق سر وعلانية على السائلين ، يعني الإخفاء في إنفاق الصدقة المتطوعة (٤) والإعلان في إنفاق الواجب أو ذوي سر وعلانية نصب على الحال بمعنى مسرين ومعلنين (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ) أي لا انتفاع بمبايعة فيه بالفداء (وَلا خِلالٌ) [٣١] أي ولا انتفاع بمخالة وصداقة للشفاعة كما أنزل بهم شدة في الدنيا يفادون ويشفع لهم خليلهم ، وليس شيء من ذلك في الآخرة ، وإنما ينفعهم أعمالهم الصالحة ، قرئ بفتح العين واللام وبالرفع والتنوين فيهما (٥).
(اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ (٣٢))
ثم ذكر تعالى منته على عباده ليعرفوها ويشكروا ربهم بقوله (اللهُ) مبتدأ (٦) ، خبره (الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) دلالة على قدرته وتوحيده (وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً) أي مطرا نافعا (فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ) بيان لما بعده وهو (رِزْقاً لَكُمْ) أي سببا لعيشكم (وَسَخَّرَ) أي ذلل (لَكُمُ الْفُلْكَ) أي ركوبها (لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ) أي باذنه (وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ) [٣٢] أي المياه الجارية تجرونها حيث شئتم من بساتينكم وزروعكم وبيوتكم.
(وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ (٣٣))
(وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ) حال من (الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) ، أي مطيعين على الدوام ، يعني سخر لكم
__________________
(١) عن علي كرم الله وجهه ، انظر البغوي ، ٣ / ٣٨١.
(٢) «ليضلوا» : فتح الياء المكي والبصري ورويس ، وضمها سواهم. البدور الزاهرة ، ١٧٣.
(٣) «لعبادي» : قرأ الشامي والأخوان وروح باسكان الياء فتسقط وصلا وتثبت وقفا ، والباقون بفتحها وصلا وإسكانها وقفا. البدور الزاهرة ، ١٧٤.
(٤) المتطوعة ، س : ـ ب م.
(٥) «ولا بيع فيه ولا خلال» : قرأ المكي والبصريان بفتح العين في «بيع» واللام في «خلال» من غير تنوين فيهما ، والباقون برفع العين واللام مع التنوين فيهما. البدور الزاهرة ، ١٧٤.
(٦) و ، + ب س.