(وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٠٨))
(وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ) أي يعبدون آلهة (١)(مِنْ دُونِ اللهِ) والمراد الأوثان (فَيَسُبُّوا) أي فيسب المشركون (اللهِ) نصب الفعل بجواب النهي عن السبب (عَدْواً) مفعول له أو نصب على الحال ، أي ظلما (بِغَيْرِ عِلْمٍ) أي بجهل ، وهو حال مؤكدة ، نزل حين كان أصحاب النبي عليهالسلام يذكرون آلهتهم بسوء ، فقال المشركون لينتهين أصحابك عن سب آلهتنا أو لنسبن ربك (٢) ، وفيه دليل على أن الرجل إذا أمر بمعروف فيقع المأمور به فيما هو شر منه ينبغي أن يترك الآمر به ، وكذلك نهى عن شيء يكون النهي عنه سببا لركوب معصية هي أعظم من المنهي عنه ينبغي أن يترك عنه كالنهي عن المثلث حيث يكون سببا لركوب شرب الخمر (كَذلِكَ) أي مثل ذلك التزيين الذي زيناه للمشركين عبادة الأصنام (زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ) من الكفار (عَمَلَهُمْ) من الشر (ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) [١٠٨] أي يخبرهم إخبار توبيخ وعتاب بأعمالهم (٣) ويجازيهم عليها.
(وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِها قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ (١٠٩) وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١١٠))
قوله (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ) نزل حين طلب المشركون من النبي عليهالسلام أن ينزل الملائكة من السماء أو يحيي الموتى آية لهم ليؤمنوا ، فحلفوا على ذلك ، وطلب المؤمنون وقوع ذلك كله (٤) ، فقال تعالى إنهم حلفوا بالله أغلظ أيمانهم ، وكانوا يسمون اليمين بالله جهد اليمين ، فأكد ما يقسم به باللامين والنون في قوله (لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِها قُلْ) يا محمد (إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ) لا عندي ، وهو يقدر على المجيء بها لحكمة لا أنا ، ثم قال جوابا للمؤمنين (وَما يُشْعِرُكُمْ) مبتدأ وخبر ، و «ما» كلمة الاستفهام ، أي ما يدرككم أيها المؤمنون إيمانهم بتقدير المفعول الثاني ، ثم ابتدأ بكسر «إن» في قوله (أَنَّها) أي إن الآية المقترحة (إِذا جاءَتْ) الكفار (لا يُؤْمِنُونَ) [١٠٩] بالياء ، والضمير فيه ل «الكفار» ، أي لا يصدقون بها لسبق علمي بعدم إيمانهم ، وقرئ بفتح «أن» (٥) بمعنى لعل نقلا عن الخليل (٦) ، فالمفعول الثاني أيضا محذوف ، ويجوز أن يجعل «أن» ومعمولها في محل النصب مفعولا ثانيا ل (يُشْعِرُكُمْ) ، و (لا) زائدة ، أي وما يدرككم أنها إذا جاءتهم يؤمنون ، وقرئ «تؤمنون» بالتاء (٧) أيضا خطابا (٨) للكفار في الموضعين ، أي ما يشعركم يا أهل مكة أنها إذا جاءتكم تؤمنون (٩) بزيادة (لا) ، المعنى : أنهم إذا جاءتهم الآية المقترحة لا يؤمنون بها ، يدل عليه قوله (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ) أي ونخبل (١٠) قلوبهم بالخذلان عن الإيمان (وَأَبْصارَهُمْ) عن رؤية طريق الهداية ، فلا يؤمنون عند نزول الآيات المقترحة (كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ) الكاف صفة مصدر محذوف ، أي تقليبا مثل عدم إيمانهم بمجيء آية من الله من الآيات السابقة كانشقاق القمر (أَوَّلَ مَرَّةٍ) ظرف زمان ، فختم الله على قلوبهم فيه ، فثبتوا على كفرهم (وَنَذَرُهُمْ) أي ونتركهم (فِي طُغْيانِهِمْ) أي في ضلالتهم (يَعْمَهُونَ) [١١٠] أي يترددون متحيرين فيه ، لا يبصرون طريق الهدى ، وقيل : «كما
__________________
(١) آلهة ، ب م : آلهتهم ، س.
(٢) عن ابن عباس ، انظر الواحدي ، ١٨٧ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ١ / ٥٠٦.
(٣) بأعمالهم ، ب م : في أعمالهم ، س.
(٤) لعل المفسر اختصره من السمرقندي ، ١ / ٥٠٦ ؛ والبغوي ، ٢ / ٤٠٣.
(٥) «أنها» : قرأ المكي والبصريان وخلف عن نفسه وشعبة بخلف عنه بكسر الهمزة ، والباقون بفتحها وهو الوجه الثاني لشعبة. البدور الزاهرة ، ١٠٨.
(٦) انظر البغوي ، ٢ / ٤٠٤ ؛ والكشاف ، ٢ / ٨٣ ؛ والبيضاوي ، ١ / ٣١٦.
(٧) «لا يؤمنون» : قرأ ابن عامر وحمزة بتاء الخطاب ، والباقون بياء الغيبة. البدور الزاهرة ، ١٠٨.
(٨) خطابا ، س م : خطاب ، ب.
(٩) تؤمنون س : يؤمنون ، ب م.
(١٠) نخبل ، س : نخيل ، ب ، نحيل ، م.