لم يؤمن به آباؤهم الأقدمون لما سألوا الآية من أنبيائهم» (١).
(وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ (١١١))
قوله (وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ) متصل بقوله (٢) «وأقسموا بالله» في النزول ، أي ولو أننا أنزلنا إليهم الملائكة كما قالوا لو لا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا (وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى) بالإحياء كما طلبوا (وَحَشَرْنا) أي وجمعنا (عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ) طلبوه (قُبُلاً) بضمتين جمع قبيل ، أي قبيلا قبيلا بمعنى فوجا فوجا ، وبكسر القاف وفتح الباء (٣) ، أي معاينة ، مصدر في معنى الحال من (كُلَّ شَيْءٍ) ، المعنى : أنا لو جئناهم بما طلبوه كله ورأوا ذلك عيانا ليؤمنوا بأنك رسول الله (ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) أي إلا في حال مشية الله (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ) أي أكثر الكفار (يَجْهَلُونَ) [١١١] فيقسمون بالله جهد أيمانهم على ما لا يعلمون من حال أفئدتهم عند نزول الآيات.
(وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ (١١٢))
قوله (وَكَذلِكَ) تسلية للنبي عليهالسلام ليصبر على عداوتهم ، أي كما جعلنا لك أعداء (جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ) قبلك (عَدُوًّا) نصب بأنه المفعول الأول (٤) ، وما قبله الثاني ، وأبدل من «عَدُوًّا» (شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ) قيل : كل عات شيطان ، فللآنس شياطين كما أن للجن شياطين ، وشيطان الإنس أشد من شيطان الجن في الإضلال (٥) ، قال عليهالسلام لأبي ذر : «هل تعوذت من شيطان الإنس؟ قال : أو للإنس شيطان؟ قال : هم شر من شيطان الجن» (٦)(يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ) في محل النصب على الحال من (شَياطِينَ) أو صفة ل (عَدُوًّا) ، أي يوسوس ، فيلقي شياطين الجن إلى شياطين الإنس وبالعكس (زُخْرُفَ الْقَوْلِ) أي مزينة (غُرُوراً) أي خدعا مفعول له أو نصب على المصدر ، يعني يزين القول باطلا يغرهم بذلك غرورا ، ويغريهم على المعاصي وأصل الزخرف الذهب المزين (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ) أي ما فعلوا الإيحاء من الزخرف والغرور ولمنعهم (٧) من الوسوسة ، ولكن الله يمتحن قلوبهم بما يعلم أنه أبلغ في الحكمة وأجزل في الثواب وأشد في العقاب (فَذَرْهُمْ) أي فدعهم (وَما يَفْتَرُونَ) [١١٢] أي وما يكذبون من القول والغرور.
(وَلِتَصْغى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا ما هُمْ مُقْتَرِفُونَ (١١٣))
قوله (وَلِتَصْغى) عطف على (غُرُوراً) ، أي ليغروا ولتصغى أو تقديره : وفعلنا لتصغى ، أي تميل (إِلَيْهِ) أي إلى الإيحاء السوء أو إلى زخرف القول ، واللام للصيرورة (أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) أي قلوب الكافرين (بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ) أي وليقبلوه لأنفسهم من الشياطين (وَلِيَقْتَرِفُوا) أي ليكتسبوا (٨) من الآثام (ما هُمْ مُقْتَرِفُونَ) [١١٣] أي مكتسبون ، يعني ليعملوا ما شاؤا من المعاصي فيجازيهم بأعمالهم في الآخرة.
(أَفَغَيْرَ اللهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (١١٤))
(أَفَغَيْرَ اللهِ أَبْتَغِي) أي قل يا محمد أأتبع أهواءكم ، أفغير الله أطلب (حَكَماً) حال من «غير الله» المفعول به ،
__________________
(١) عن ابن عباس ، انظر البغوي ، ٢ / ٤٠٥.
(٢) متصل بقوله ، ب : متصل لقوله ، س م.
(٣) «قبلا» : قرأ المدنيان والشامي بكسر القاف وفتح الباء ، والباقون بضمهما. البدور الزاهرة ، ١٠٩.
(٤) المفعول الأول ، ب س : مفعول أول ، م.
(٥) وهذه الأقوال مأخوذة عن السمرقندي ، ١ / ٥٠٨.
(٦) أخرج نحوه أحمد بن حنبل ، ٥ / ١٧٨ ، ٢٦٥ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٢ / ٤٠٦ ـ ٤٠٧.
(٧) ولمنعهم ، ب : ويمنعهم ، س م ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ١ / ٥٠٨.
(٨) أي ليكتسبوا ، س : أي يكتسبوا ، ب م.