الر كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ
____________________________________
[٢] ولما ختم الله سبحانه سورة الرعد بإثبات الرسالة وإنزال الكتاب افتتح هذه السورة ببيان الغرض في الرسالة والكتاب فقال (الر) الف ، ولام ، وراء ، أي من هذا الجنس (كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ) وهو القرآن الكريم ، والإنزال إن كان من السماء ـ كما هو الظاهر من الآيات والروايات ـ كان اللفظ حقيقة ، وإن كان بالإلقاء في القلب وما أشبه كان الإنزال مجازا ، تشبيها بالعلو الحقيقي للمنزل ، بالعلو الخارجي ، يقال : تلقيت الأمر من الأعلى ، ويراد أعلى درجة ورتبة لا أعلى مكانا ، (لِتُخْرِجَ) يا رسول الله (النَّاسَ) جميع الخلق ، وعدم خروج بعضهم لعدم بلوغه الدعوة أو عناده لا ينافي كون الغرض من الإنزال ذلك (مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) فإن الإنسان المنحرف العقيدة والمنهج في ظلمة ، فكما أن من في الظلمة الخارجية لا يبصر مكان قدمه ولا يبصر ما حوله من الحقائق الخارجية ، كذلك من في الظلمة العقيدية والمنهجية ، لا يرى الحق بالنسبة إلى العقائد ، فأي فرق بين من لا يبصر بعينه الكتاب الموضوع في الرف ، وبين من لا يرى بقلبه للكون خالقا ، أو لا يرى كيف يعامل بربا أو بدون ربا ، بل الظلمة الظاهرية أهون ، فإن الأعمى أكثر ما يخشى عليه التردي ، والذي في ظلمة الكفر ، في تعاسة الحياة كلها ، وسوء المنقلب ـ قطعا ـ (بِإِذْنِ رَبِّهِمْ) فإن الله سبحانه أذن إخراج الناس من الظلمة إلى النور ، لمّا أوحى إلى الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم بالتبليغ ، والتعبير ب «الإذن» دون «الأمر» لعله للمقابلة مع ما كان ينسبه الكفار إلى الله من الخرافات في العقيدة