ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ (١٨) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (١٩)
____________________________________
هَباءً مَنْثُوراً) (١) (ذلِكَ) العمل الذي عملوه (هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ) أي الذهاب أبعد عن النفع ، فكأن العمل نفس الضلال ـ مجازا ـ بعلاقة الصفة والموصوف ، كقوله (إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ) (٢) أو المراد ، أن ضلال هؤلاء الكفار ـ المستفاد من المثل ـ هو الضلال البعيد ، مقابل الضلال القريب ، وهو ضلال العصاة ، من أهل التوحيد ، فإن الكافر أبعد عن الجادة المستقيمة ، من المؤمن العاصي.
[٢٠] إن عمل هؤلاء الكفار ، كالرماد المتطاير ، أما هم بأنفسهم ، فإنهم تحت سيطرة إله قدير ، يتمكن أن يذهبهم جميعا ، كما أذهب أعمالهم كالرماد ، فكفرهم وطغيانهم لا يخرجهم عن قدرته سبحانه وكيف يخرجون عن قدرة إله خلق السماوات والأرض ، إنها قدرة مدهشة ، لا يتمكن أحد أن يتحداها (أَلَمْ تَرَ) يا رسول الله ، أو أيها الرائي ، والمراد بالرؤية العلم ، والاستفهام تنبيهي ، أي تفكر لكي تعلم (أَنَّ اللهَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِ) فلم يكن خلقها عبثا واعتباطا ، وإنما لغاية وحكمة ومصلحة ، كالذي يبني المدرسة ، لمصلحة الناجحين من التلاميذ (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ) يفنيكم ويميتكم أيها البشر ، (وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ) وهذا لتأكيد القدرة ، حتى أن إفناء البشر كلهم ، والإتيان بمثلهم شيء هينّ معلق بإرادة واحدة.
__________________
(١) الفرقان : ٢٤.
(٢) هود : ٤٧.