فَأَسَرَّها يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِها لَهُمْ قالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً
____________________________________
منطقة يتوارثها الأنبياء والأكابر وكانت عند عمة يوسف ، وكان يوسف عندها ، وكانت تحبه ، فبعث إليها أبوه أن ابعثيه إليّ وأردّه إليك ، فبعثت إليه : أن دعه عندي الليلة أشمه ثم أرسله إليك غدوة ، فلما أصبحت أخذت ـ أي العمة ـ المنطقة فربطتها في حقوه (١) وألبسته قميصا وبعثت به إليه ، وقالت (٢) : سرقت المنطقة فوجدت عليه ، وكان إذا سرق أحد في ذلك الزمان ، دفع به إلى صاحب السرقة ، فأخذته ، فكان عندها.
أقول : فإنهم أشاروا إلى هذه السرقة ، ولم يكن يوسف عليهالسلام سرق شيئا وإنما بهت بها ، كما أن بنيامين لم يكن سرق شيئا ، وإنما ألصقت به ، ولما قالت الأخوة (فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ) (٣) (فَأَسَرَّها) أي أخفى تلك القصة (يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِها لَهُمْ) أي لم يظهرها لهم ، فقد عرف أنهم إنما أخذوا الأمر على ظاهره ، ويحتمل أن يكون ضمير «أسرها» للشأن ، أي أسر قوله الذي يأتي وهو (أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً) نحو (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) (قالَ) إما بلفظه أو في نفسه ـ وظاهر السياق يعطي الأول ، والمناسب لأدب يوسف عليهالسلام الثاني ، وكثيرا ما يستعمل قال في النية وشبهها ـ (أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً) أي من حيث المكانة والمنزلة ، فإن السارق له منزلة ومكانة سيئة ، وإنما كانوا شرا مكانا ، لأنهم حسدوه وألقوه في الجب ، أما سرقة الأخ وبنيامين فقد كانت
__________________
(١) الحقوة موضع شد الإزار ، وهي الخاصرة.
(٢) الظاهر أن قولها بعد أن ذهب يوسف إلى دار أبيه.
(٣) بحار الأنوار : ج ١٢ ص ٢٤٩.