قالَ هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ (٨٩)
____________________________________
أي يثبتهم على صدقاتهم.
[٩٠] وإذ بلغ الأمر بالأخوة هذا المبلغ يسترحمون وهم في انكسار وضيق ، لم يبق مجال لبقاء يوسف ـ في صورة العزيز الملك ـ وقد شاء الله سبحانه أن ينهي الامتحان ويرفع الشدة ، ولذا (قالَ) يوسف عليهالسلام لهم (هَلْ عَلِمْتُمْ) أيها الأخوة (ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ) من إلقائه في البئر بعد ما أردتم قتله ، ثم بيعه بدراهم معدودة (وَ) ب (أَخِيهِ) بنيامين ، فقد كنتم تذلونه وتنظرون إليه بالازدراء والإهانة ، كما هو العادة في أولاد الضرة ، وخصوصا إذا كان ولد الضرة قريبا إلى قلب الأب (إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ)؟ ولعل هذه الكلمة كانت معذرة من قبلهم يعني إنما فعلتم ذلك في زمان لم يكمل رشدكم ، وقد كان هذا مصداقا لقوله سبحانه ـ كما سبق ـ (لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا) ، وعن الصادق عليهالسلام ، أن كل ذنب عمله العبد ، وإن كان عالما ، فهو جاهل حين خاطر بنفسه معصية ربه (١) ، أقول : وقد كان ذلك تلقينا لهم بأن يعتذروا به ، وأن ذلك حقيقة وليس بمجاز لأن للجهل مراتب فقد يجهل الإنسان أصل الموضوع ، وقد يجهل مزاياه ومراتبه ، فهل ترى أن من الممكن أن ينام إنسان وعده ملك بإعطاء قصر له ، إذا هو قام في ليلة واحدة؟ أو من المعقول أن يقترف عملا ، إذا أوعده بأنه إن عمله ضربه ألف سوط؟ كلا؟ لكنه ينام ويقترف مع أن وعد الله وإيعاده حق ، لا ريب له ، وكلاهما أرفع منزلة من وعد الملك وإيعاده.
[٩١] وتبين الأخوة في نبرات الملك صوت يوسف ، فإن الإنسان مهما طال
__________________
(١) القصص للجزائري : ص ١٦٨.