لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ (١٣) قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (١٤) فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ (١٥)
____________________________________
كما جرت العادة بأن الإنسان إذا رأى العذاب قد جاء من ناحية يركض هاربا منه لئلا يشمله.
[١٤] لكن هل كان فرارهم وركضهم نافعا؟ كلا! فقد كان لسان الحال يقول لهم ـ حين ذاك ـ (لا تَرْكُضُوا) فإن الفرار لا ينفع (وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ) أي : أسباب ترفكم من زخارف الدنيا (وَمَساكِنِكُمْ) ارجعوا إلى بيوتكم ، فأين تفرون وتتركون هذه الأشياء النفيسة؟ وقد كان هذا القول لهم من باب التقريع والاستهزاء (لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ) فإن الإنسان المترف الذي في منزله يسأله الناس الحوائج ، فارجعوا إلى محلكم وجاهكم الذي كان يقف الناس لأجله على أبوابكم يسألون الحوائج.
[١٥] ولم يعد عند فرارهم جواب منهم على هذا الاستهزاء ، بل (قالُوا : يا وَيْلَنا) أي يا سوء حالنا ، أو يا قوم ويلنا ، والويل كلمة يقولها من يطلب الهلاك تضجرا من الحالة التي هو فيها ، فالمعنى يا ويل احضر فهذا وقتك أو يا قوم إن ويلنا حضر (إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ) لأنفسنا حيث لم نؤمن وكذبنا الأنبياء.
[١٦] (فَما زالَتْ تِلْكَ) الكلمة ، أي يا ويلنا (دَعْواهُمْ) أي دعاءهم وذكرهم (حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً) أي محصودا قد شملهم العذاب الذي فروا منه ، حتى كأنهم السنبل المحصود الذي يقطع فلا حياة فيه (خامِدِينَ) ساكني الحركات ، من خمد ضد اشتعل ، فكأنهم لم يكونوا.