أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنا لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ (٤٣) بَلْ مَتَّعْنا هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ حَتَّى طالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ
____________________________________
الوقوف أمام العذاب لتصده عن هؤلاء؟ (أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنا) أي أفهل لهم آلهة لها شأنية الوقوف ضدا أمامهم لتمنع عذابنا عنهم؟ كلا! إن الآلهة (لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ) فإنها إذا أراد بها أحد شرا لا تتمكن من الدفاع عن نفسها ، فكيف تدافع عن هؤلاء الذين يعبدونها ، وجيء بوصف العاقل للآلهة تمشيا مع اصطلاح القوم ، وإلا فالآلهة لا تعقل ولا تدرك (وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ) أي أن هذه الآلهة لا قوة لها من ذاتها ، ولا أنها تستمد القوة منا حتى تتمكن من صنع العذاب بتلك القوة ، فإنها ليست بصحبتنا حتى تستمد القوى منا ، فإن الصاحب يستمد القوة من صاحبه ، وهذا جدل تهكمي مع عباد الأصنام كما كانوا يستهزئون بالرسل ـ في عين أنه تقرير للحقيقة ـ.
[٤٥] إن سبب كفران هؤلاء ليس لأجل اعتمادهم على الآلهة (بَلْ) لأجل إنا أنعمنا عليهم فطغوا ، و (إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى) (١) فقد (مَتَّعْنا هؤُلاءِ) الكفار بأنواع النعم (وَ) كذلك متعنا (آباءَهُمْ) من قبلهم ، وذلك أدعى للطغيان ، فإن الفقير البائس واعي القلب متفتح النفس ، أما من ربّي في النعيم من زمان أبيه إلى آخر عمره فإنه يطغى وينسى (حَتَّى طالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ) فغرهم طول العمر وأسباب الرفاه ، وقلبوا الشكر كفرا ، لكن هؤلاء يلزم أن يعتبروا بمن هو أقوى وأشد ، فهذه الدول من أطرافهم ، كل يوم تقلص بخراب أطراف بلادها ، وغزو
__________________
(١) العلق : ٧ ـ ٨.