بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي
____________________________________
العلو وطبقات الجو ، فهي شيء رفيع يعرفه كل أحد ، فمن رفعها وجعلها ، أليس الله سبحانه؟ (بِغَيْرِ عَمَدٍ) جمع عماد ، وهي الدعائم ، وهذا أغرب ، فقد نرى أن كل شيء رفيع لا بد له من عماد يستند إليه ، فكيف رفعت السماوات بغير عماد ، (تَرَوْنَها) ظاهرة لكم ، فإن كل ناظر يرى السماوات ـ بأي معنى كان ـ ، ثم أن هناك قولين : الأول أن «ترونها» جملة منفصلة. وعلى هذا يكون المعنى لا عمد للسماوات ، الثاني أن «ترونها» صفة ل «عمد» أي لا عمد مرئية لها ، والمفهوم منه أن لها عمد غير مرئية ، وعلى هذا فالمعنى أن للسماوات عمد ، ولا تنافي بين القولين ، فإن السماوات لا عماد لها خارجا ، ولها عماد ـ من قدرة الله سبحانه ـ لا يرى ذلك العماد (ثُمَ) بعد رفع السماوات بغير عمد (اسْتَوى) الله سبحانه ، أي استولى وسيطر (عَلَى الْعَرْشِ) أي على كرسي الملك ، وذلك شيء مهول لا يرى ، كما أن السماوات شيء عظيم يرى ، يعني أنه سبحانه بعد ما خلق السماوات ، استولى على أزمة الأمور ، يقال : استوى الملك على عرش المملكة ، يراد أنه أخذ بيده أزمة الحكم وسيطر وتسلط عليه لا يزحزحه مزحزح لا أنه جلس على كرسي خارجي ـ فهو معنى كنائي ـ وعلى هذا فالإتيان ب «ثم» مع أنه سبحانه لم يزل كذلك ، من باب أنه سبحانه بعد إيجاد الكون سيطر عليه ، أما قبله ، فلا سيطرة من باب السالبة بانتفاء الموضوع ـ وهذا الذي ذكرناه في تفسير (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) أحد المعاني المحتملة في الآية ـ (وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) ذلّلهما لمنافع خلقه ، وجعلهما يطيعانه ، كما يريد (كُلٌ) من الشمس والقمر (يَجْرِي) ويسير في