ذلِكَ وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللهُ إِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ
____________________________________
لهم ، بأن الله سبحانه إذا أمهل الكفار ، حتى فعلوا ما فعلوا فلم يكن ذلك إحباطا لأعمال المسلمين وعدم الاعتناء بهم ، وإنما هو بمقتضى حلمه ، وسيعاقبهم على ما اقترفوا ويجزي المسلمين ، بما أوذوا في سبيله.
[٦١] (ذلِكَ) أي أن الأمر ، كما قصصنا عليك (وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ) أي جازى الظالم ، بمثل ما صنع به من الظلم والتعدي ، بأن قاتل المشركين ، كما قاتلوه ، وأخرجهم كما أخرجوه ، وسمى العقاب عقابا ، لأنه يلحق الإنسان ويأتي بعقبه ، وكان الإتيان من باب المفاعلة ، لأجل أن كلّا من الشخصين ليعاقب الآخر ، فهذا يظلم ذاك وذاك يرد عليه ما عمل به ، وسمي كل من الأمرين معاقبة للتشابه المسمى ب «الازدواج» كقوله (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) (١) (ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ) أي ظلمه الظالم مرة أخرى ، وإنما ذكر ذلك ، لأن المظلوم غالبا يبغى عليه مرة أخرى ، إن اقتص من الظالم لظلمه أولا ، فإن من يبتدئ بالعدوان ، لا يترك المظلوم أن يجازيه إلا ويعاقبه مرة أخرى (لَيَنْصُرَنَّهُ اللهُ) فلا ييأس المظلوم من هذا الحيث ، وليعلم أن الله بالمرصاد ، فليقدم على وضع حد للظالم برباطة جأش ، وقوة قلب ، ولعل هذا ليتعلم المسلمين أن لا يحجموا عن الفتك بمن ظلمهم خوف أن يعود الظالمون عليهم بالظلم والأذى (إِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ) أما البشر فلا يلزمهم الله بالعفو ، لأنهم لا يقدرون
__________________
(١) البقرة : ١٩٥.