سُورَةٌ أَنْزَلْناها وَفَرَضْناها وَأَنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (١) الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ
____________________________________
[٢] هذه (سُورَةٌ) السورة مأخوذة من سور البناء ، وهو ارتفاعه ، ومنه يسمى سور البلد سورا ، وإنما سميت سور القرآن بها ، لأنها مرفوعة في النفوس ، أو لأنها محيطة بجملة من العقيدة والآداب (أَنْزَلْناها) أي أنزلنا هذه السورة ، والإنزال ، إما باعتبار مجيئها من فوق ، إذ الملك يهبط عن السماء ، أو باعتبار أنها جاءت من طرف العلي الأعلى (وَفَرَضْناها) أي أوجبنا العمل بها ، ولعل هذا التأكيد لاشتمالها على الحد وما أشبه ، مما يحتاج إلى التأكيد البليغ ، فإن الفرائض الشديدة تحتاج إلى قوة في البيان ، حتى تحفز تلك القوة على تطبيقها (وَأَنْزَلْنا فِيها) في هذه السورة (آياتٍ بَيِّناتٍ) واضحات ظاهرات ، والظرف باعتبار المجموع ، المظروف باعتبار كل قطعة قطعة ، وآية آية (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) أي لكي تتذكروا ، ما هو كامن في فطرتكم من الأمور المرتبطة بالعقائد والآداب والأنظمة ، فإن الله سبحانه جعل في النفس فطرة المعارف ، كما جعل فيها فطرة الآداب ، وإن كانت مجملة تحتاج إلى الشرح والبيان وذكر المزايا التي لا تصل الفطرة إليها بمجردها.
[٣] وبعد تلك المقدمة الشديدة ، يأتي النظام الصارم لمن ينحرف عن العفاف (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي) ولعل تقديم «الزانية» لكون عملها أشنع ، ولأن العطف نحوها أكثر ، لرقة جنس المرأة (فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ) ، وذلك بضربهما بالجلد ، الذي هو عود طويل على رأسه خيط طويل من الجلد ، يؤلم الجسم كثيرا ، يستعمله في هذا الزمان أهل الأفراس والعربيات ، ولا يخفى أن هذا الحكم إنما هو مقيد