بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا قارِعَةٌ
____________________________________
(بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً) إنهم يطلبون الآيات الخارقة ، لكن النبي ليس مكلفا بذلك ، وإنما مكلف بالإنذار ، وأن يكون معه ما يصدقه أنه نبي مرسل ، وقد فعل الأمرين ، فجاء بالقرآن شاهدا ، ثم أنذر وبشر ، أما سائر الآيات ، التي يقترحونها ، فإنها بيد الله ، كما قال سبحانه : (قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ) (١) فهو ينزلها حسب المصلحة والحكمة ـ كما سبق تفصيل ذلك ـ وإذا أتى هؤلاء الكفار ، هذا القرآن العظيم الذي من شأنه تلك التأثيرات الهائلة ، ثم لم يؤمنوا به ، فلييأس المؤمنون من هدايتهم ، ولينتظروا عذاب الله وعقابه ، جزاء إعراضهم (أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا) عن هؤلاء؟ وألم يعلموا (أَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً) بالإجبار ، فإذ رأوا أنه لا يهدي أحدا بالإجبار ، فاللازم أن ييأسوا ، فإن هناك إما الإيمان بالاختيار ، وإما الإيمان بالجبر ، وإما اليأس عنهم ، فإذا علم المؤمنون أن الله لا يجبر أحدا بالإيمان ، ورأوا عناد هؤلاء عن الإيمان الاختياري ، فاللازم أن ييأسوا عنهم ، ويتركوهم في ضلالهم يعمهون ، وقد ظهر بما ذكرنا : أن «أفلم ييأس» أشرب معنى «أفلم يعلم» ولذا عمل في «أن لو يشاء» (وَ) إذ لا يريد الله إجبار الكفار ، ولا أنهم يؤمنون بالاختيار ، فليعلم المؤمنون أنه (لا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا قارِعَةٌ) ما تقرعهم وتضربهم ، فإنه سبحانه لم يشاء إهلاك هذه الأمة دفعة كبعض الأمم
__________________
(١) الأنعام : ١١٠.