وقوله : (كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ) صرف عنه السّوء حتى لم يوجد منه العزم على ذلك الفعل ـ وإن كان منه همّ ـ إلا أن ذلك لم يكن جرما كما ذكرنا.
والصّرف عن الطريق بعد حصول الهمّ ـ كشف ، والسوء المصروف عنه هو العزم على الزنا والفحشاء أو نفس الزنا ، وقد صرفهما الله تعالى عنه.
قوله (إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ) : لم تكن نجاته فى خلاصه ، ولكن فى صرف السوء عنه واستخلاصه.
قوله جل ذكره : (وَاسْتَبَقَا الْبابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ)
استبقا ، هذا ليهرب ، وهذه للفعلة التي كانت تطلب.
ولم يضر يوسف ـ عليهالسلام ـ أن قدّت قميصه وهو لباس دنياه بعد ما صحّ عليه قميص تقواه.
ويقال (١) لم تقصد قدّ القميص وإنما تعلّقت به لتحبسه على نفسها ، وكان قصدها بقاء يوسف ـ عليهالسلام ـ معها ، ولكن صار فعلها وبالا على نفسها ، فكان بلاؤها من حيث طلبت راحتها وشفاءها.
ويقال تولّد انخراق القميص من قبضها عليه وكان فى ذلك افتضاح أمرها ؛ لأن قبضها على قميصه كان مزجورا عنه .. ليعلم أنّ الفاسد شجّه فاسد.
ويقال لشدة استيلاء الهوى عليها لم تعلم فى الحال أنها تقدّ قميصه من ورائه أو من قدّامه .. كذلك صاحب البلاء فى الهوى مسلوب التمييز.
ويقال لمّا لم تصل ولم تتمكن من مرادها من يوسف خرقت قميصه ليكون لها فى إلقائها الذّنب على يوسف ـ عليهالسلام ـ حجّة ، فقلب الله الأمر حتى صار ذلك عليها حجة ، وليوسف دلالة صدق ، قال تعالى : (وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ) (٢)
__________________
(١) فيما يلى من إشارات تلاحظ أن القشيري قد جعل من امرأة العزيز رمزا لطالب الدنيا وأسير الهوى ومن يوسف رمزا مقابلا لذلك.
(٢) آية ٤٣ سورة فاطر.