مُزْجاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا إِنَّ اللهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ (٨٨))
لما دخلوا على يوسف خاطبوه بذكر الضّرّ ، ومقاساة الجوع والفقر ، ولم يذكروا حديث يوسف عليهالسلام ، وما لأجله وجّههم أبوهم.
ويقال استلطفوه بقولهم : (مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ) ثم ذكروا بعد ذلك حديث قلة بضاعتهم.
ويقال لمّا طالعوا فقرهم نطفوا بقدرهم فقالوا : وجئنا ببضاعة مزجاة ـ أي رديئة ـ ولما شاهدوا قدر يوسف سألوا على قدره فقالوا : أوف لنا الكيل.
ويقال قالوا كلنا كيلا يليق بفضلك لا بفقرنا ، وبكرمك لا بعدمنا ، ثم تركوا هذا اللسان وقالوا : (وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا) : نزلوا أوضع منزل ؛ كأنهم قالوا : إن لم نستوجب معاملة البيع والشراء فقد استحققنا بذل العطاء ، على وجه المكافأة والجزاء.
فإن قيل كيف قالوا وتصدّق علينا وكانوا أنبياء ـ والأنبياء لا تحل لهم الصدقة؟ فيقال لم يكونوا بعد أنبياء ، أو لعلّه فى شرعهم كانت الصدقة غير محرّمة على الأنبياء.
ويقال إنما أرادوا أنّ من ورائنا من تحلّ له الصدقة.
قوله جل ذكره : (قالَ هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ (٨٩))
افتضحوا بحضرة يوسف عليهالسلام وقالوا : (فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ) فعرفهم فعلمهم ووقفهم عند أحدهم فقال : هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه؟ يعنى إنّ من عامل يوسف وأخا ، بمثل معاملتكم فلا ينبغى له أن يتجاسر فى الخطاب كتجاسركم.
ويقال إن يوسف عليهالسلام قال لهم : أنهيتم كلامكم ، وأكثرتم خطابكم ، فما كان فى حديثكم إلا ذكر ضرورتكم .. أفلا يخطر ببالكم حديث أخيكم يوسف؟! وذلك فى باب العتاب أعظم من كلّ عقوبة