الأمر لم ينفعهم تضرعهم وبكاؤهم ، ولم تقبل منهم صدقتهم وفداؤهم ، وندموا حين لا ندامة ، وجزعوا بعد ما عدموا السلامة.
ويقال : (وَاسْتَفْتَحُوا) : بغير الرسل ، ولما وجد الرسل إصرار قومهم سألوا النصرة عليهم من الله كقول نوح ـ عليهالسلام : (رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً) ، وقول موسى عليهالسلام : (رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ) (١) فأجابهم الله بإهلاكهم.
ويقال إذا اشتد البلاء وصدق الدعاء قرب النّجاء.
قوله جل ذكره : (مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ (١٦) يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ)
لفظ «وراء» يقع على ما بين يديه وعلى ما خلف ، والوراء ما توارى عليك أي استتر ؛ يريد هذا الكافر يأتيه العذاب فيما بين يديه من الزمان ، وعلى ما خلفه ؛ أي لأجل ما سلف من الماضي من قبيح أفعاله ، ويسقى من النار ما يشربه جرعة بعد جرعة ، فلصعوبته ومرارته لا يشربه مرة واحدة.
قوله جل ذكره : (وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَما هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ)
يرى العذاب ـ من شدته ـ فى كل عضو ، وفى كل وقت ، وفى كل مكان. وليس ذلك الموت ؛ لأنّ أهل النار لا يموتون ، ولكنه فى الشدة كالموت. ثم (مِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ) : وهو الخلود فى النار ، وهذا جزاء من اغترّ بأيام قلائل ساعدته المشيئة فيها ، وانخدع فلم يشعر بما يليها.
__________________
(١) الآية ٨٨ سورة يونس.