قوله جل ذكره : (لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٠))
يريد بالكتاب القرآن ، وقوله : (فِيهِ ذِكْرُكُمْ) : أي شرفكم ومحلّكم ، فمن استبصر بما فيه من النور سعد فى دنياه وأخراه.
قوله جل ذكره : (وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً وَأَنْشَأْنا بَعْدَها قَوْماً آخَرِينَ (١١))
إنّ الله يمهل الظالم حينا لكنه يأخذه أخذ قهر وانتقام ، وقد حكم الله بخراب مساكن الظالمين ، وقد جاء الخبر : «لو كان الظلم بيتا فى الجنة لسلّط عليه الخراب» ؛ فإذا ظلم العبد نفسه حرّم الله أن يقطنها التوفيق وجعلها موطن الخذلان ، فإذا ظلم قلبه بالغفلة سلّط عليه الخواطر الردية التي هى وساوس الشيطان ودواعى الفجور. وعلى هذا القياس فى القلة والكثرة ؛ إنّ الروح إذا خربت زايلتها الحقائق والمحابّ ، واستولت عليها العلائق والمساكنات.
قوله جل ذكره : (فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ (١٢))
لمّا ذاقوا وبال أفعالهم اضطربوا فى أحوالهم فلم ينفعهم ندمهم ، ولم تعد إلى محالّها أقدامهم ، وبعد ظهور الخيانة لا تقبل الأمانة.
قوله جل ذكره : (لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ (١٣))
وللخيانة سراية (١) ، فإذا حصلت الخيانة لم تقف السراية ، وإذا غرقت السفينة فليس بيد الملّاح إلا إظهار الأسف ، وهيهات أن يجدى ذلك!
قوله جل ذكره : (قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (١٤))
__________________
(١) سرى الجرح او السوء سراية. أي دام الألم منهما حتى حدث الموت. ويقال سرى التحريم وسرى العتق أي تعدى إلى غير المحرم أو المعتق (الوسيط).